مقالات عامة

كيف سيغير الوباء العالم

قد تساءل روتجر بيرغمان المؤرخ الهولندي مؤلف كتاب «البشرية: تاريخ متفائل» الذي سينشر في يونيو، كيف ستغير جائحة كورونا العالم؟ قائلا انه لا أحد يعرف حتى الآن. ولكن المعلوم هو أين كنا قبل ان تضرب الجائحة: عدم المساواة في العالم قد وصل إلى ارقام تاريخية، الحرائق استمرت اشهرا في أستراليا، المستبدون كانوا يخنقون الديموقراطية في المجر وفنزويلا، وموجة من الاحتجاجات اجتاحت قارات العالم الست، من بيروت إلى باريس، من هونغ كونغ إلى موسكو، ثم جاء مرض كوفيد19. قال بيرغمان ان الفيروس كشف عن عدم المساواة والظلم غير العاديين في العالم. ونشرت قوائم ما يسمى بالمهن الحيوية، والمفاجأة كانت أن وظائف مثل «مدير صندوق التحوط» و«اختصاصي ضرائب للشركات المتعددة الجنسيات» لم تكن موجودة ضمنها. حيث فجأة ظهر ان من كان يقوم بالاعمال الجبارة المهمة حقًا هم العاملون في مجال الرعاية الصحية والتعليم، في النقل العام، والسوبر ماركت. يبدو أن القاعدة العامة هي: كلما كان عملك أكثر حيوية، قلّ أجرك، كلما كان عملك أكثر أمانًا، كنت معرضًا لخطر الإصابة بالفيروس. وهناك من يعتقد أنه يجب عدم تسييس الوباء، لكننا بحاجة للتحدث الآن، حيث ان القرارات بشأن المستقبل سيتم اتخاذها في أسابيع وأيام لكننا سنشعر بعواقبها لعقود. وتحدث بيرغمان عن الظروف التي كُتب فيها التاريخ. في أميركا في ثلاثينات القرن الماضي، على سبيل المثال، جرى وضع الصفقة الجديدة في خضم الكساد الكبير. في بريطانيا، نُشر تقرير بيفريدج – النص الرئيسي لدولة الرفاه البريطانية – في حين كانت القنابل تسقط على لندن. كما يمكن أن تسير الأمور في اتجاه آخر، بحسب بيرغمان، فبعد حرق الرايخستاغ في عام 1933، مُنح أدولف هتلر سلطات بعيدة المدى لاستعادة السلام. وأعقب هجمات 11 سبتمبر 2001 «الحرب على الإرهاب» ومراقبة جماعية للمدنيين من قبل الأجهزة السرية. ويقتبس بيرغمان مقولة لميلتون فريدمان، أحد أكثر الاقتصاديين نفوذاً في القرن العشرين الذي كتب «فقط أزمة – فعلية أو متصورة – تنتج تغيرا حقيقيا». عندما تحدث تلك الأزمة، فإن الإجراءات التي يتم اتخاذها تعتمد على الأفكار الكامنة حولها. «ونحن الآن في أكبر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية. التأثير الاقتصادي للوباء أكبر من تأثير الركود الكبير لعام 2008، وربما يكون أكبر من تأثير الكساد الكبير. وإذا علمنا التاريخ شيئا، فهو أن الأشياء غير العادية ممكنة». ما هذه الأفكار؟ وطرح بيرغمان عددا من الافكار، قائلاً ان «المتظاهر كان شخصية مجلة تايم للعام 2011. منذ ذلك الحين، انتقلت الأفكار التي كانت تُرفض على أنها غير معقولة أو غير واقعية إلى التيار الرئيسي». مضيفا «فكّر كيف قامت الفتاة السويدية غريتا ثونبرغ ابنة الـ17 ربيعاً ببدء أكبر حركة عن المناخ شهدها هذا العالم على الإطلاق». وقال بيرغمان انه في ابريل الفائت نشرت صحيفة «فايننشال تايمز» مقالة أظهرت مدى تغير الزمن، وقالت إن «الإصلاحات الجذرية – عكس اتجاه السياسة في العقود الماضية – ستحتاج إلى طرحها على الطاولة»، وان «السياسات التي تعتبر غريبة الأطوار، مثل الدخل وضرائب الثروة، يجب أن تكون ضمن الاصلاحات». وابدى بيرغمان دهشته لأن تقول صحيفة غير يسارية أننا بحاجة إلى فرض ضرائب على الأغنياء، في وقت كان الاشتراكي جيريمي كوربين قد سُحق في الانتخابات البريطانية، واليساري الثوري بيرني ساندرز خسر أمام جو بايدن المعتدل، والاشتراكيون خسروا انتخابات اوروبا. ولكن المؤرخ الهولندي قال انه عند التصغير، يمكننا رؤية أن شيئًا أكبر يحدث، فبالنظر إلى النظام الذي يعمل عليه بايدن «المعتدل» نجد ان خطته الضريبية مضاعفة مرتين عن خطة هيلاري كلينتون الضريبية لعام 2016، وخطته المناخية البالغة 1.7 تريليون دولار تتضمن 30 ضعفًا من التزام الطاقة النظيفة من خطة كلينتون، وهي أكثر طموحًا من خطة ساندرز. كما ان كوربين خسر انتخابات 2017 و 2019 في المملكة المتحدة، لكن الإنفاق النهائي على الخدمات العامة للمحافظين كان أقرب إلى خطط حزب العمال منه إلى سياسات المحافظين. وما يسمى بالأفكار الراديكالية بالأمس، مثل الضرائب المرتفعة على الاثرياء، تدعمها الآن الغالبية العظمى من الناس في البلدان المتقدمة. ففي 2019 أظهر مسح شمل 22000 شخص في 21 دولة، أن الأغلبية تعتقد أن الحكومة يجب أن تفرض ضرائب أكثر على الأغنياء من أجل دعم الفقراء.  نقطة تحول لقد عرف المؤرخون منذ فترة طويلة أن الأزمة يمكن أن تكون نقطة تحول للمجتمعات. وليس من الصعب تخيل كيف يمكن لهذه الأزمة أن تقودنا إلى طريق مظلم يمكن أن تكون مثل 11 سبتمبر: مأساة مروعة يساء استخدامها من قبل من هم في السلطة،. وإذا كان البديل ممكنًا، فذلك بسبب المتظاهرين الذين جعلوا ما لا يمكن تصوره أمرًا يمكن التفكير فيه. ومثلما أعادت الولايات المتحدة اختراع نفسها بعد الكساد الكبير، يمكن أن تؤدي هذه الأزمة إلى شيء أفضل، يمكن أن ينتهي عصر الفردية المفرطة والمنافسة، وفتح عصر جديد من التضامن. وقال بيرغمان أن وسائل الإعلام تركز غالبًا على السلبية، لكن في نظرة على الصورة الأكبر سنرى أنه في حين تعمقت الأزمة، ازدهر التضامن بالفعل. وخلال السنوات الخمس الماضية تحول العلماء من نظرة ساخرة إلى نظرة أكثر أملًا للإنسانية قائلين إن البشر لم يتطوروا للقتال والتنافس، بل لتكوين صداقات والعمل معًا. وفي وقت التحديات غير العادية وعندما يبدو فيروس كورونا كأنه مجرد مقدمة لأزمة عالمية كبرى، نحتاج إلى افتراض الأفضل، لأن الأمل يدفع إلى العمل.

فما هو رايك في ذلك ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ محمي . ادارة الموقع
إغلاق
إغلاق