مقالات تربوية

الألعاب الأكاديمية

إن استخدام الألعاب الأكاديمية قديم الحضارة، فلقد عثر على بعض الألعاب التي تعود إلى حوالي 3000 سنة قبل الميلاد في الصين، وكانت معظم هذه الألعاب الهدف الأساسي منها التدريبات العسكرية.
ولقد أصبحت الألعاب اليوم من المداخل الهامة في التدريب المهني كما أنها أصبحت أيضا من المداخل الرئيسية في التدريس بالمدارس، خاصة بعد أن انتقل التركيز في العملية التعليمية إلى المتعلم، على أساس أن العملية التعليمية بفلسفتها ومناهجها تهدف إلى تربية المتعلم تربية متكاملة، تعده من خلالها لممارسة حياته في المجتمع الذي يعيش فيه، ويعتبر هذا المدخل في الحقيقة من المداخل المهملة تماما في مدارسنا لعديد من الأسباب التي سنعرض لها فيما بعد، وبالتالي فنحن في حاجة إلى تعرف هذا المدخل وعرضه عرضا يهدف إلى ممارسته وتطبيقه عمليا في التدريس.

فالألعاب الأكاديمية عبارة عن نماذج مبسطة تعبر عن الواقع، يمر المتعلم من خلالها بمواقف تشبه الحياة اليومية، ويمارس فيها أدوارا تشبه الأدوار التي يمارسها الكبار في حياتهم، ومن هنا فإن فكرتها الأساسية تدور حول جعل المتعلم مشاركا وإيجابيا في الموقف التعليمي، بحيث يكتسب المفاهيم ويتدرب على المهارات ويكتسب الاتجاهات ويصوغ الفروض، ويثير التساؤلات، ويعمل في فريق ويصنع الخطط ويتخذ القرارات ليصل في النهاية إلى حل للمشكلة التي يواجهها، ومن هنا تعتبر المادة العلمية وسيلة يستخدمها المتعلم لحل مشكلة ما، ويصبح لهذه المادة العملية وظيفة تطبيقية في حياته اليومية.

أما عن المعلم فهو مرشد وموجه ومنظم للموقف التعليمي بكافة أبعاده حيث يكتسب تلاميذه المعرفة بأنفسهم من خلال العديد من الأنشطة والمهارات ويعبر عن العديد من الاتجاهات وهو يراقب كل هذا عن كثب ويقومه أولا بأول.

ولقد نجح مدخل الألعاب الأكاديمية في تعليم الكثير من المجالات، ففي تعليم  اللغات أثبتت العديد من الدراسات فعالية هذا المدخل في تقدم الدارسين في دراستهم ومستواهم اللغوي لما يحتويه مدخل الألعاب من فرص الانطلاق والتعبير الحر والتمثيل، فمن خلال الألعاب يتسابق الدارسون في ممارسة المهارات اللغوية، أما عن المواد الاجتماعية فهناك العديد من الألعاب الأكاديمية المنشورة في مجال التاريخ والجغرافيا وتستخدم على نطاق واسع في المملكة المتحدة وفي الولايات المتحدة الأمريكية والتي أثبتت فعاليتها في تدريس هذه المواد، والشيء المؤكد في هذا المجال أن استفادة المتعلم ونموه باستخدام هذا المدخل لا يكون فقط في المادة العلمية ولكن نموه يتم في الجانب المهاري والجانب الوجداني أيضا بدرجة كبيرة، ونؤكد هنا قيمة هذين الجانبين في إعداد الشخصية المتكاملة التي قد تعجز الطرق التقليدية في التدريس عن تحقيقها، فمن خلال الألعاب الأكاديمية تتغير بيئة التعلم من البيئة التقليدية من فصل ومعلم وتلاميذ إلى موقف واقعي، وقد يكون هذا الموقف التعليمي في مصنع بكل ما يحتويه من آلات ومعدات ومواد خام وعمال حيث يكون على كل متعلم أن يقوم بأدوار محددة إذ أن مصمم اللعبة يهدف عادة إلى إتاحة الفرصة للتعلم لاكتساب بعض المفاهيم وممارسة واكتساب بعض المهارات والاتجاهات وأوجه التقدير، وقد يكون الموقف التعليم في سيارة أو في قطار يقوم التلاميذ خلال هذا الموقف بممارسة العديد من المهارات اللغوية، وهنا يصبح التعلم وظيفيا، وقد تكون بيئة التعلم حقبة تاريخية معينة مضت ويحتويها درس من دروس التاريخ، ويعيد مصمم اللعبة وقائع هذه الحقبة التاريخية لكي يمثل التلاميذ أدوار وشخصيات كان لها تأثيرها الفعال في مجريات الأحداث ولها مواقف وقرارات وجهت سير الأحداث، وهنا ينتقل الدرس التاريخي من كونه مجرد سرد جاف ممل إلى موقف حي يؤدي التلاميذ فيه أدوارا مختلفة كل حسب إمكاناته.
من كل ما سبق نرى أن الألعاب الأكاديمية لها تأثير كبير في تحويل بيئة التعليم إلى موقف خيالي يعمل فيه فكره وينشط ويتفاعل، وقد يكون من المفيد في هذا المجال عرض الخصائص التي تتميز بها الألعاب الأكاديمية.
 
خصائص الألعاب الأكاديمية
   هناك مجموعة من الخصائص التي تميز هذا المدخل في التدريس..
1- تمثيل الواقع:
فالواقع يصعب نقله (بتفاصيله) إلى الموقف التعليمي، فمثلا لا نستطيع نقل مشكلة المواصلات أو المشكلة السكانية بكافة أبعادها من أجل الدراسة، كما لا نستطيع أن ندرس مشكلات التعمير في الصحاري أو المدن الجديدة، ومن ثم فتناول هذه المشكلات على المستوى المدرسي يعني تطويعا وتبسيطا واختصارا، ويقصد بالتطويع تقديمها في قالب تعليمي لتحقيق  أهداف معينة، ويعني التبسيط تقديم المادة التي تحتويها اللعبة في قالب يناسب مستويات التلاميذ، أما الاختصار فيعني حذف الكير من التفصيلات الدقيقة التي توجد في الواقع وكل ذلك من أجل تحقيق أهداف تعليمية معينة.

2- رفع مستوى الدافعية:
فالمتعلم يكون أكثر استعدادا للمشاركة في الموقف التعليمي إذا ما شعر أن هذا الموقف له معنى ووظيفة بالنسبة له، وهذا يعني  ارتباط الموقف بحاجات المتعلم واهتماماته، والمطلوب في هذا الشأن أن تكون اللعبة قادرة على الإثارة والتشويق، مما يجعل المتعلم على درجة مناسبة من الحماس، وبالتالي فإن اللعبة ليست مجرد مشكلة تتحدى تفكير المتعلم، ولكنها إلى جانب ذلك موقف يتم تخطيطه وإعداده بناء على دراسة دقيقة لحاجات المتعلمين واهتماماتهم ووضعها في الاعتبار في اختيار موضوع اللعبة وكل مشتملاتها، وتجدر الإشارة هنا إلى  أن المقصود بمستوى الدافعية هو أن تحتوي اللعبة في كافة جوانبها وإجراءات تنفيذها على كل ما يثير الاهتمامات، بحيث لا يشعر التلاميذ في إحدى مراحل العمل بالملل، أو أن ما يقومون به من جهد لا يخرج عن كونه مجرد عملية تحصيل عادية شأنها شأن ما يمكن الحصول عليه من المعارف من أي كتب دراسية، هذا كما أن مسألة الدافعية لا ترتبط فقط بنوع المشكلة التي تحتويها اللعبة، ولكنها ترتبط أيضا بالأسلوب المستخدم في تنفيذ اللعبة، وهذا الأمر يحمل المعلم مسئولية خاصة، فهو من خلال التوجيه وإثارة التساؤلات أثناء ما يجري من مناقشات يستطيع أن يثير اهتمامات جديدة، وأن يعمل دائما على رفع مستوى دافعية تلاميذه، وبالتالي قدراتهم على المشاركة الفعالة في المواقف التعليمية، وهذا الأمر يتوقف إلى حد بعيد عن عاملين أساسين أولها هو مدى الخبرة المتاحة للمعلم في مجال استخدام الألعاب الأكاديمية في التدريس، ومدى تمكنه من الكفايات اللازمة لهذا الأمر، والعامل الثاني هو مدى فهم المعلم لتلاميذه من حيث قدراتهم واتجاهاتهم وميولهم وغيره ذلك من النواحي الشخصية التي يمكن استغلالها في توجيه نشاطهم التعليمي المرتبط باللعبة.

3- العمل مع فريق:
فالمتعلم في إطار الموقف التعليمي المعتاد يتحدد دوره في الغالب في تحصيل المعرفة سواء من خلال متابعة المعلم أو من خلال كتاب مدرسي، وبالتالي تصبح الوظيفة الرئيسية لهذه النوعية من المواقف هي نقل قدر معين من المعارف للجميع، ومن ثم يصبح اكتساب المتعلم لأوجه تعلم أخرى أمرا غير مقصود، بمعنى أنه لو تصادف وتعلم الفرد مفهوما أو اكتسب ميلا معينا فغالبا ما يون ذلك لاعتبارات أخرى يتعلق بعضها بالفرد ذاته وبعضها الآخر يتعلق بالمناخ الأسري الذي يعيش فيه، أو غير ذلك من القوى والمؤثرات التي يتعرض لها، ويلاحظ في هذا الشأن أن المتعلم لا تتاح له فرص تعلم مهارات العم في فريق، وتنبع أهمية هذه النوعية من المهارات من أن واقع الحياة خارج جدران المدرسة يتطلب العمل في أطر جماعية، وخاصة أن هناك العديد من المشكلات التي يصعب على فرد ما أن يواجهها بمفرده، ومن ثم فالمدرسة مطالبة بأن تتيح للتلاميذ من المواقف التعليمية التي يستطيع فيها كل فرد أن يشعر بقيمة وأهمية  العمل الجماعي والتدريب على مختلف الأدوار المطلوبة لهذا الأمر، فالفرد أحيانا يكون متحدثا وأحيانا أخرى يكون مستمعا، وفي الحالتين يجب أن يتعلم ضوابط للحديث، كما أن هناك ضوابط للاستماع وأن ما يحققه لا يستطيع فرد ما أن يدعي أنه من إنجازه وبالتالي فهو يجب أن يتعلم أنه فرد في فريق، وأن هذا الفريق يعمل ككل متكامل من أجل تحقيق أهداف معينة، وبذلك تكون اللعبة أداة حقيقية تشارك في إكساب الفرد جوانب تعلم كثيرة ذات وظيفة اجتماعية، كما أنها تكون مجالا يستطيع فيه الفرد التخلص من الفردية والأنانية والادعاء بأنه قادر على أداء أعمال والقيم بمهام لا تتلاءم مع إمكاناته.

4- التساؤل وفرض الفروض:
إذا كانت أي لعبة من الألعاب الأكاديمية تعبر عن مشكلة ما فنقطة البداية في هذا الشأن هي أن يتساءل كل من يمارس اللعبة، ومعنى هذا أنها تدفع الفرد إلى توجيه أسئلة إلى نفسه أو إلى المعلم، وهذه الأسئلة تعني أساسا أن الفرد يشعر بحاجة إلى المعرفة وأنه في حاجة إلى إجابات تختزل تلك الحاجة، وإذا افترضنا أن المعلم أجاب عن تساؤلات تلاميذه فهو في الحقيقة قد حرمهم من فرص ما كان له أن يحرمهم منها، ففي هذه الحالة يجب أن يوجه تلاميذه إلى كيفية العثور على إجابات عن تساؤلاتهم والمصادر التي يجب الرجوع إليها سواء كانت كتبا أو دوائر معارف أو بحوثا ودراسات أو أفلاما أو غيرها من المصادر الأخرى، ومن أهم الأمور التي يجب أن يتعلمها الفرد في هذا المجال فرض الفروض، إذ أن التساؤلات يجب أن تستتبع على الفور بصياغة أولية للفروض ومراجعتها وإعادة صياغتها، وبالتالي تبدأ عملية جمع البيانات والمعلومات التي يمكن استخدامها في التحقق من صدق أو خطأ كل فرض من الفروض.
ويلاحظ أنه في إطار الألعاب الأكاديمية ربما يكون هناك أكثر من جماعة من التلاميذ، وكل جماعة يكون لها فروض خاصة قد تتفق وقد تختلف مع فروض جماعة أخرى، وهنا يكون المجال متاحا لمناقشة الفروض كلها بأسلوب علمي يمكن من خلاله تعلم مواصفات الفرض ومعناه وحدوده ووظائفه، وهي أمور تعبر في مجملها عن فهم أصيل للمنهج العلمي في التفكير وتناول سليم لمشكلات حقيقية يعاني منها الواقع الاجتماعي الذي يعيشه الفرد.

5- التنظيم:
أدت المشكلات العديدة التي تعاني منها مجتمعات كثيرة إلى تعقد الحياة وافتقارها إلى التنظيم، ومما يزيد من صعوبة الأمر أن الفرد لم يعد قادرا على التنظيم بصورة عامة، وربما لم يعد قادرا على تنظيم شئونه الخاصة، وبالتالي فإن تعود النظام والتنظيم مسألة تربوية في المقام الأول، ومن ثم فإن هذا الأمر يجب أن يكون واضحا على المستوى السلوكي، مما يعني توافر خلفية معرفية ووجدانية عميقة تدعم هذا السلوك وتغذيه بصفة مستمرة، وإذا كانت المناهج المدرسية مسئولة عن هذا الأمر بدرجة ما فإن الألعاب الأكاديمية من أكثر المداخل نجاحا في تحقيق هذا الهدف، إذ أنها تقدم في قالب منظم، كما أن استخدامها وتحقيق الأهداف المرجوة من ورائها يتطلب عملا مخططا، إن أي لعبة من الألعاب الأكاديمية تعتمد في استخدامها وتنفيذها على توزيع العمل وتقسم الجماعات وتوزيع الاختصاصات، وهي كلها أمور تعد على درجة كبيرة من الأهمية إذا ما نظر إليها من زاوية بناء شخصية الفرد.

6- اتخاذ القرارات:
كثيرا ما يمر الفرد بمواقف يومية يشعر فيها أنه في حاجة إلى اتخاذ قرار، وحينما يعجز عن ذلك يلجأ إلى الآخرين لإرشاده إلى القرار المناسب، وهو في هذا الشأن يكون أكثر اعتمادا على الآخرين من اعتماده على نفسه، ويعتبر اكتساب مهارة اتخاذ القرارات وما يصاحبها من اتجاهات من أهم عمليات التربية ومن ثم فإن ما يمر به التلاميذ من مواقف تعليمية أو بعضها على الأقل يجب أن يكون من النوع الذي يسمح للتلاميذ1 بدراسة الظروف والإمكانات وجمع البيانات والمعلومات والأدلة والشواهد التي يستطيع التلاميذ في ضوئها أن يتخذوا القرار المناسب، هذا كما أن الألعاب الأكاديمية بحكم طبيعتها تشتمل على مشكلات، وكل مشكلة يتفرع منها عدد من المشكلات الفرعية، وبالتالي فإن أسلوب حل المشكلات هو طريق مواجهة المشكلات والتوصل إلى حلول لها، ومن هنا فإن الاعتماد على التساؤل والتفكير العميق وإدراك العلاقات وفرض الفروض تعد عمليات أساسية يحتاجها الفرد لاتخاذ القرار المناسب.
ومن خلال ممارسة التلميذ للألعاب الأكاديمية يستطيع التدريب في مواقف تعليمية مخططة ومنظمة، وأن يجد من التوجيه المناسب ما يساعده على استبعاد الأخطاء وتعزيز النواحي الإيجابية في الأداء، وإذا كانت هذه المهارة من المهارات الأساسية من وجهة نظر عملية التعلم، فهي أيضا على درجة كبيرة من الأهمية لبناء شخصيات التلاميذ وإعدادهم لموجهة مواقف الحياة.

7- الإدارة والتوجيه:
يختلف دور المعلم عند استخدام الألعاب الأكاديمية عنه عند استخدام الكتاب المدرسي أو أي وسيلة أخرى، إذ أنه في هذا الشأن مطالب بتقديم اللعبة إلى التلاميذ وبيان فكرتها الأساسية وما تحتويه من مفاهيم والأهداف التي يجب أن يسعوا إلى تحقيقها والإجراءات – المطلوبة وتوزيع العمل ومراقبته والمساعدة في أثناء التنفيذ دون بيان الإجابات أو الحلول المطلوبة للمشكلات التي تحتويها اللعبة، والهدف الأساسي في هذا الشأن هو أن يكتسب المتعلم أوجه تعلم أكثر قيمة وجدوى بالنسبة للمتعلم، فالمعرفة هنا وسيلة وليست غاية لذاتها ومن ثم يصبح تعلم استخدام اللعب الأكاديمية ومواجهة ما تحتويه من مشكلات ومحاولة الوصول إلى حلول لها هو الغاية، وبالتالي تكون المادة – العلمية المتاحة بها، وكذلك ما قد يرجع إليه التلاميذ من مصادر أخرى مجرد وسائل لتحقيق هذه الغاية، ومن ثم فإن المعلم في هذا الشأن هو منظم للخبرة ومدير لها وليس مجرد ناقل للمعارف، وهو دور غير تقليدي بل هو دور يعني الفهم الصحيح لطبيعة العملية التعليمية وطبيعة المتعلم وما تسعى إليه عملية التربية من بناء لشخصية الفرد، هذا ولا يقتصر هذا على ما يقوم المعلم بهذه المسئولية فقط، ولكن يلاحظ أيضا أن سلوك المعلم في هذا المجال هو قدوة يفترض أن يحتذي بها التلاميذ.

8- الإيجابية والتفاعل:
تعتمد الألعاب الأكاديمية على الدور الإيجابي الذي يقوم به المتعلم فهو لا يتلقى المعارف من المعلم، كما أنه لا يعتم على الكتاب المدرسي المعتاد في ظل الأسلوب التقليدي، ولكنه كما سبق القول يواجه بمشكلة، وهذه المواجهة تعني التساؤل وتحديد مكونات المشكلة وأبعادها وفرض الفروض وما إلى ذلك من عمليات، وبذلك فالإيجابية والتفاعل مع الآخرين سمة أساسية تميز هذه النوعية من المواقف، ولعلنا نلاحظ أن مسألة الإيجابية هذه مرتبطة بفلسفة العملية التعليمية السائدة، ففي ظل الفلسفة التي تضع المعارف في موضع الصدارة تجد أن المتعلم يميل إلى اتخاذ موقف يتميز بالسلبية، حيث يقوم المعلم بتهيئة المواقف المناسبة التي يستطيع فيها المتعلم أن يحصل على أكبر قدر ممكن من المعارف، بينما في ظل الاتجاهات الجديدة للفكر التربوي نجد أن المتعلم مطالب بممارسة دور إيجابي يعني المشاركة ويعني تحمل الجزء الأكبر من المسئولية في العملية التعليمية، وهنا يكون دور المعلم هو الإدارة والتوجيه وتذليل الصعاب أمام المتعلم لكي يكون قادرا بالفعل على أن يمارس إيجابيا، ومن خلال إيجابية جميع الأطراف يكون هناك تفاعلات لفظية وغير لفظية فالمناقشات مستمرة بين مجموعات التلاميذ وفي داخل كل مجموعة على حده من أجل التساؤل وعرض الآراء ووجهات النظر المختلفة وصولا إلى القرار الجماعي المناسب وبالتالي فإن الألعاب الأكاديمية بما تسمح به من إيجابية وتفاعل تعني إتاحة الفرص المناسبة للتلاميذ للتدريب على كيفية تحمل المسئوليات وكيفية إجراء الحوار.

9- تقويم الذات:
يستطيع كل فرد أثناء تنفيذ اللعبة أن ينظر إلى أدائه في ضوء الأهداف التي يرجى بلوغها والتي تكون واضحة المعالم بالنسبة له منذ البداية، وهو في هذا الصدد يرى بوضوح نواحي القوة والضعف في هذا الأداء ويصحح مسار العمل على المستوى الفردي، وكذلك الأمر بالنسبة للجماعة، فهي حينما تبدأ العمل وتقطع شوطا فيه تتوقف للمراجعة، والمقصود بذلك هو تقويم الذات أي تقويم أداء الجماعة، وبذلك يتم التقويم على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي، مرحليا، كما يتم تعديل مسار العمل الجماعي من خلال اتفاق الجماعة واتخاذ قرار مرحلي في هذا الشأن، وفي هذا الإطار تصبح عملية التقويم مسايرة لشروط التقويم العلمي، وبخاصة بالنسبة للاستمرارية فضلا عن مشاركة الفرد في تقويم ذاته وتقويم الجماعة لنفسها، وبالتالي فالمعلم هنا وإن كان يقوم تلاميذه أثناء العمل وبعد الانتهاء من تنفيذ اللعبة فهذا يعني تعرف مدى نجاح التلاميذ في مهمتهم، وتعرف مدى صلاحية اللعبة، أما بالنسبة للتلاميذ فهم يتعلمون مواجهة الذات ومصارحتها، هذا فضلا عن تعلمهم أسلوب تفكير يصعب اكتسابه من خلال المواقف التعليمية المعتادة.

10- تمثيل الأدوار:
لما كانت الألعاب الأكاديمية يتم تخطيطها وبناؤها استنادا إلى تصور لإبعاد مشكلات معينة، فإن من يقوم بتصميم اللعبة ينظر إلى المشكلة في واقعها ويحاول استبعاد التفصيلات وتقديمها في قالب مبسط قابل للدراسة من وجهة نظر تلاميذ مستوى تعليمي معين، وبطبيعة الحال فإن تلك المشكلات حينما تكون من الواقع فهي تضم شخصيات وتعكس آراء واتجاهات وعلاقات ومؤسسات، وبذلك فإن تصميم اللعبة وتنفيذها يعينان بأن يقوم التلاميذ باختيار الأدوار التي تناسبهم، وقد يتصور التلاميذ أنهم قادرون على القيام بأدوار معينة لا تناسب إمكاناتهم، وهنا يأتي دور المعلم في تحديد الأدوار المناسبة لتلاميذه في ضوء فهمه لقدرات كل منهم، فليس من المقبول أن يقوم تلميذ بعمل أو أكثر دون أن تتوافر لديه القدرة لذلك وتستغل الألعاب الأكاديمية ميل الصغار إلى تقليد الكبار وتمثيل أدوارهم لأغراض تعليمية، ومن ثم فإن ما يتم في هذا الشأن هو بمثابة تدريب على مهارات الحياة في مواقف تعليمية مصغرة.
 
ومن الأمور التي يجب الإشارة إليها في هذا المجال أن استخدام الألعاب الأكاديمية في التدريس يتوقف على أمور عديدة منها الفكر التربوي السائد والذي ينعكس على المناهج المدرسية التي يقوم المعلم بتنفيذها، كما يتوقف استخدام هذا المدخل أيضا على مدى اقتناع المعلم نفسه ومدى ما يتاح له من الإمكانيات وخاصة إذا كانت هناك ألعاب أكاديمية جاهزة الصنع ومتصلة اتصالا مباشرا بالمنهج الذي يقوم المعلم بتنفيذه، وإلا فإن المعلم في هذه الحالة يحتاج إلى تصميم ألعاب أكاديمية تتصل بالمادة العلمية التي يقوم بتدريسها، وبناء على ذلك سنعرض الخطوات الأساسية اللازمة للمعلم لتصميم ألعاب مناسبة.

أولا- تحديد المفهوم الرئيسي أو العملية التي يود مصمم اللعبة أو المعلم التركيز عليهم خلال اللعبة:
ويتم ذلك في ضوء دراسة الأهداف الخاصة بالمادة العلمية ومحتواها، فقد يكون هذا المحتوى في مادة الجغرافيا والدرس عن الصناعة، ومقوماتها، وقد يكون المحتوى في مادة العلوم والدرس عن التلوث ومسبباته وأضراره، وقد يكون المحتوى في مادة التاريخ والدرس عن علاقة الخلافة الإسلامية زمن الخلفاء الراشدين، وقد تكون المادة إحدى اللغات والدرس عن استخدام قاعدة في بناء جملة أو توجيه سؤال.

ثانيا – تحديد مجال اللعبة ومحتواها:
وهنا يقوم مصمم اللعبة أو المعلم بتحديد الحيز المكاني والزماني الذي يريد تمثيله أو نقله من سياقه الطبيعي في الحياة إلى الموقف التعليمي، ففي درس جغرافية الصناعة تحدد منطقة معينة لدراستها وتحديد العوامل التي جعلت من هذه المنطقة منطقة صناعية، وستعتبر هذه المنطقة المسرح الذي سيتم عليه تمثيل أدوار اللعبة، وهنا يكون على مصمم اللعبة أو المعلم أن يحدد بوضوح الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من وراء إجراء هذه اللعبة، فقد تكون هذه الأهداف خاصة بمراجعة بعض المفاهيم أو تعديل لبعض الاتجاهات، وسيترتب على تحديد هذه الأهداف صياغة محتوى اللعبة.

ثالثا – تحديد طبيعة اللعبة:
ويقصد بذلك تحديد ما تحتاجه اللعبة من تجهيزات معينة، ويعني ذلك أن يقوم مصمم اللعبة أن المعلم بدراسة الإمكانات المتاحة لتصميم اللعبة، فقد تقتصر اللعبة على مجرد تحديد أدوار معينة سيقوم التلاميذ بتمثيلها، ويتطلب ذلك اختيار محتوى الدور وصياغته وإعطائه للمتعلم للتدرب عليه وممارسته تمهيدا لإجراء اللعبة، وقد يمتد الأمر إلى  استخدام لوحة معينة واستخدام لوحة معينة استخدام مجموعة من الأدوات والأفلام والورق اللاصق الملون والسبورات الممغنطة والخرائط والجداول والرسوم البيانية والصور والأفلام الثابتة والشرائح والكتيبات التي يتم عن طريقها تغيير بيئة التعلم، وهنا تختلف طبيعة اللعبة من كونها مجرد تمثيل أدوار وممارسة أنشطة وإتباع قواعد لاتخاذ قرار في النهاية.

رابعا – تحديد المشاركين في اللعبة:
ويتم هذا الأمر من خلال فهم مصمم اللعبة أو المعلم لطبيعة  اللعبة وأبعادها والأدوار اللازمة لتنفيذها، ويلاحظ هنا أن اللعبة تقتضي أن يقسم الفصل إلى مجموعات، وكل مجموعة يعين لها قائد وكل قائد يتولى مسئولية التنفيذ لكافة المسئوليات التي توزع على أفراد مجموعته، فإذا كانت اللعبة على سبيل المثال لإنشاء شركة أو مصنع معين، فهذا يعني أن الأدوار التي يجب أن يمارسها التلاميذ هي أدوار رئاسة الشركة وأعضاء مجلس الإدارة ورؤساء العمال ومندوبي المشتريات والمبيعات ومسئولي التخزين والإعلان وممثلي الحكومة والبنوك وحماية البيئة. وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية مراعاة ملائمة الأدوار التي يتولاها التلاميذ لاهتماماتهم، إذ إنه ليس من الجائز أن يكلف أحد التلاميذ بممارسة دور لا يشعر هو بأهميته أو ميله لتمثيله، وبالتالي سيتحدد دور كل مشارك بحيث يختلف عن الآخر من حيث الهدف والمحتوى، فأصحاب المصنع هدفهم الأساسي إقامة المصنع وبالتالي سيكون دفاعهم في الموقف التعليمي لإتمام إقامة المصنع، وممثلو جمعية حماية البيئة هدفهم يختلف تماما عن الهدف السابق فهم يريدون إيقاف إنشاء المصنع في هذه المنطقة لما فيه من أضرار ولما تحدثه المخلفات التي تلقي بما المصانع من تلوث للبيئة، أما ممثلوا الدولة فسيكون في أيديهم اتخاذ القرار، فهل ستوافق الدولة على إقامة المصنع لما فيه من فرص عمل للكثيرين أم  أنها ستوقف إنشاء المصنع، وهنا ستبدأ المناقشات وعرض وجهات النظر المؤيدة والمخالفة.

خامسا – تحديد عملية التفاعل في اللعبة:
ويقصد بذلك أن يقوم مصمم اللعبة أو المعلم بتحديد مسارات عملية التفاعل بين الأفراد المساهمين مما يعني تحديد النقاط الأساسية التي ستتم مناقشتها، وتعتمد هذه العملية بالدرجة الأولى على مجال اللعبة والمادة الدراسية التي يقوم المعلم بتدريسها، ويعتمد تحديد عملية التفاعل أيضا على الأهداف التي صممت اللعبة لتحقيقها والإجراءات التي تتم بموجبها اللعبة، وهنا يجب أن يلاحظ المعلم أن التفاعل ربما يأخذ شكل أعمال كتابية مثل كتابة تقارير أو إعداد حسابات أو ميزانيات وغير ذلك مما يعد مادة أساسية للمناقشة.
 
سادسا – ترجمة كل ما سبق إلى خبرات تعليمية:
حيث يتم نقل الواقع إلى الفصل، وهنا تكمن الصعوبة الرئيسية في بناء اللعبة، فالواقع لا يمكن تمثيله بكل ما فيه من تفصيلات دقيقة ولكن يتم نقل هذا الواقع بعد تجريده، أي الاختصار على الخصائص الرئيسية والتي تكون الصورة العامة لهذا الواقع، فقد يتمثل هذا الواقع في المثال السابق في منطقة معينة لإقامة المصنع، وهنا سيتم تمثيل الواقع على خريطة تفصيلية للجزء المراد إقامة المصنع عليه، والتعبير عن  الظاهرات الجغرافية برموز معينة، كما يمكن تمثيل هذه المنطقة برسم مربعات على الخريطة تعبر عن القيمة الفعلية لتكلفة إنشاء المصنع في كل كيلو متر مربع، وقد يكون تمثيل الواقع بكشوف ميزانية أو بكروت صغيرة تكتب عليها بعض العبارات ويطلق عليها عامل الصدفة يسحب منها الأعضاء كل جولة من الجولات لتحدد لهم مسار التحرك واللعب.

سابعا – صياغة قواعد اللعبة الأكاديمية:
فلابد لأي عمل منظم أن يتم وفق قواعد معينة، ويقوم مصمم اللعبة أو المعلم بصياغة هذه القواعد في ضوء محتوى المادة وطبيعة الخبرة التعليمية التي يود أن يمر المتعلم بها وتتأثر هذه القواعد بالواقع الخارجي الذي يعيشه المتعلم فالهدف الأساسي من اللعبة الأكاديمية دائما إتاحة الفرص للمتعلم لممارسة الحياة اليومية من خلال قواعد معينة، وفي هذه الخطوة يحدد المعلم مجموعة القواعد التي سيسير عليها تنفيذ اللعبة ويرسم الحدود التي سيلتزم بها المشاركون، والوقت المتاح لكل فرد لممارسة دورة فيها، وعدد الجولات التي ستنفذ أيضا مدى صعوبتها، فإذا كانت قواعد اللعبة تعتمد على ممارسات معقدة أدى ذلك إلى صعوبة اللعبة وربما ملاءمتها لمستويات تعليمية أعلى.
 
ثامنا – صياغة دليل اللعبة:
فلكل لعبة أكاديمية دليل توضح فيه التعليمات الخاصة باللعبة وكيفية تنفيذها، ويرتبط بهذا أيضا بيان اللعبة ومجالها ومستواها والأدوار التي ستكلف بها المجموعات، ولابد أن يراعى في الدليل أن يحتوي على قائمة المواد التعليمية اللازمة لممارسة هذه اللعبة من خرائط وأفلام وصور ولوحات وجداول مع توضيح وقت وكيفية استخدام كل في موضعه.

والمعلم في استخدامه لمدخل الألعاب الأكاديمية لابد  أن يمتلك إلى جانب مهارة تصميم الألعاب وبناءها مهارات أخرى تساعده على ممارسة هذا المدخل، فلابد أن تكون لديه مهارة  اختيار اللعبة المناسبة إذا ما كان لديه العديد من البدائل التي يختار من بينها، ولابد أن يكون هذا الاختيار في ضوء أهداف المنهج ومحتواه، وفي ضوء الخبرات السابقة للمتعلمين، وكذلك لابد من أن يتمكن المعلم من مهارة تقديم اللعبة إلى المتعلم وعرضها عرضا شيقا حتى تتحقق الأهداف التي حددها، وتختلف أدوار المعلم في استخدام هذا المدخل عن أدواره في المداخل الأخرى، فلابد له من التمكن من مهارات التخطيط والملاحظة والتسجيل والمتابعة المستمرة لنشاط التلاميذ داخل الفصل، هذا كما أنه يجب الإشارة في هذا الشأن إلى أن المعلم لابد أن يشرك تلاميذه في عملية تقويم اللعبة سواء أثناء تنفيذها أو بعد الانتهاء منها.

والجزء التالي يعرض نموذجا لإحدى الألعاب الأكاديمية التي تستخدم في تدريس الجغرافيا بالمملكة المتحدة بالمرحلة الثانوية.

” الرواد الأوائل في السكك الحديدية”

مصمم هذه اللعبة ( ركس ولفورد Rex walfard)، وقد صممها لتناسب المرحلة الثانوية، وتهتم اللعبة بتلك الفترة التاريخية التي أعطى فيها إبراهام لنكولن امتياز مد السكك الحديدية لبعض الشركات، وذلك بهدف ربط شرق الولايات المتحدة الأمريكية بغربها في منتصف القرن التاسع عشر.

أهداف اللعبة:
تهدف هذه اللعبة إلى تحقيق ما يلي:
1- أن يكتسب التلاميذ العديد من المفاهيم الجغرافية والتاريخية الخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية ودور السكك الحديدية في دفع السكان إلى الجزء الغربي منها.
2- أن يعرف التلاميذ أهم المشكلات التي قابلت أولئك الذين تصدوا لشق السكك الحديدية كالظروف البيئية من جبال وأنهار وغيرها.
3- إتاحة الفرص للتلاميذ لممارسة العديد من الأنشطة الجماعية كالمناقشة والمداولة واتخاذ القرارات على نحو جماعي.

أدوات اللعبة:
تستخدم مع هذه اللعبة بعض الأدوات وهي:
1- فيلم ثابت يحتوي على مجموعة من الصور تحكي بعض الظروف التاريخية التي كانت سائدة في تلك الفترة التاريخية، فبعض هذه الصور يعرض الظروف الطبيعية والاجتماعية، وبعضها الآخر يعرض هجوم البقر الوحشي على الخطوط الحديدية بعد بنائها، والبعض يصور هجوم الهنود الحمر على العاملين بهذه الخطوط، وذلك ليصور مصمم اللعبة التلاميذ الصعاب التي قابلت الشركات في مد هذه الخطوط.
2- الخريطة الأساسية للعبة وهي خريطة لسطح الولايات المتحدة الأمريكية وفي نفس الوقت قسمت الخريطة إلى مربعات كل منها رقما ، 2 3 ، 4، 5، 6، … الخ. وهذه الأرقام توضح التكلفة الفعلية لشق الخط الحديدي في هذه المناطق مقدرة بالدولارات، ويوجد في أسف الخريطة قطاع تضاريس عرضي يمتد من شيكاغو إلى سان فرانسسكو على الساحل الغربي ليعبر بوضوح عن شكل السطح.
3- مجموعة من الخرائط بنفس مواصفات الخريطة السابقة بمقياس رسم أصغر وذلك لكي تستخدمها مجموعات التلاميذ أثناء تنفيذ اللعبة.
4- مجموعة من البطاقات تسمى بطاقات الصدقة (Chance factors) يصف كل منها حادثا أو موقفا يؤدي تعرض أي فريق عمل له إلى خسارة في الوقت والمال، كما قد تحتوي بعض البطاقات على امتيازات قد يحصل عليها الفريق تؤدي إلى ميزة ينفرد بها عن الفرق الأخرى، والهدف الأساسي المقصود من وراء استخدام هذه البطاقات هو أن يدرك التلاميذ بصورة قريبة من الواقع أن مثل هذه المشروعات قد تعترضها ظروف في صالحها أو ظروف أخرى قد تؤدي على تعطيل وخسارة للعمل.
5- مجموعة من الأسهم الملونة القابلة للصق (أحمر – أصفر – أخضر ) وذلك لتحديد خط سير الخطوط الحديدية على الخريطة الأساسية للعبة.
6- مجموعة من كشوف الحساب بعدد مجموعات اللعب ( Balonce Sheet) ويوضح فيها رصيد كل شركة وما تكسبه من أموال وما تنفقه على السكك الحديدية في كل جولة من الجولات.

إجراء اللعبة:
تستغرق ممارسة هذه اللعبة أربع حصص تقريبا تخصص الحصة الأولى لتقديم اللعبة للتلاميذ والثانية والثالثة لممارسة اللعبة، والحصة الأخيرة لإجراء عملية التقويم النهائية، وتبدأ اللعبة بأن يعرض المعلم الخريطة الطبيعية أمام تلاميذ الفصل، ويستنتج التلاميذ من مفتاح الخريطة ظروف السطح في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم يبدأ المعلم في شرح الظروف التاريخية التي كانت سائدة في تلك الفترة مستخدما الفيلم الثابت إلى جانب الخريطة، ثم يشرح المعلم للتلاميذ إجراءات اللعبة على أساس أنهم سيقومون بتمثيل أدوار في تلك الشركات التي تولت بناء السكك الحديدية، ثم يقسم التلاميذ إلى أربع أو خمس، كل شركة يمثلها خمسة تلاميذ، رئيس للشركة ومساح لكي يحدد مسار الخط الحديدي بعد دراسة المنطقة جيدا ومهندس يقوم بمد الخط الحديدي على الخريطة الأساسية للعبة، وسكرتير ليسجل اقتراحات الأعضاء ومناقشاتهم، ومشرف مالي يشرف على النواحي المالية ويسجل الوارد والمنصرف في كشف حساب الشركة.

ويلاحظ أن هذه اللعبة تتكون من عدد من الجولات يستطيع المعلم أن يترك فرق العمل تلعب اللعبة حتى تصل إلى الشاطئ الغربي، كما يستطيع أن يقصرها على عدد معين من الجولات، وهذا الأمر يتوقف عادة على الوقت المتاح، وقبل أن يسمح المعلم ببدء اللعبة عليه أن يتأكد تماما من أن كل تلميذ قد فهم دوره جيدا وفهم الظروف التاريخية والجغرافية لهذه الفترة، ثم يعلن مع بدء اللعبة أنه قد  أعطى لكل شركة منحة قدرها 15 ألف دولار، وعندئذ تبدأ كل جماعة في المناقشة والدراسة باستخدام الخريطة الخاصة بها وحساب التكاليف وإجراءات العمل، وبعد الانتهاء من المناقشة واتخاذ القرار يقوم المهندس الممثل لكل شركة بتوقع الخط الحديدي على الخريطة الأساسية للعبة، وهكذا تقوم كل شركة بتوقيع الخط الحديدي الخاص بها وحساب التكاليف وتسجيل ذلك في كشف الحساب الخاص، ويعلن المعلم انتهاء الجولة الأولى، ثم يبدأ في سحب بطاقات الصدفة التي تعطي بعض الأموال لشركة أو توقف شركة أخرى عن العمل في الجولة، أو غير ذلك مما تشير إليه هذه البطاقات، وبعد انتهاء بطاقات الصدفة وتسجيل نتائجها في كشف الحساب تبدأ الجولة الثانية، وهنا يمنح المعلم كل شركة 15 ألف دولار أخرى، ثم يقوم أفراد كل شركة بدراسة إمكانات الجولة الثانية، وبعد المناقشة والمداولة يبدأ المهندس الخاص بهذه الشركة في توقيع امتداد الخط الحديدي على الخريطة الأساسية، ثم يقوم المعلم بحسب بطاقات الصدفة لمرة أخرى ويسجل المشرف المالي الحساب الخاص لكل شركة، وهكذا حتى نهاية اللعبة حتى تصل الشركات إلى الساحل الغربي.

ويقوم المعلم في الحصة الرابعة بتقويم أداء التلاميذ والقرارات التي توصلوا إليها، وذلك عن طريق المناقشة وتبادل الآراء، وفي نفس الوقت يناقش المعلم سلوك التلاميذ في كل مجموعة على حدة وكذلك أسلوب التعامل بين المجموعات أثناء العمل.

مما سبق يتضح أن هذا المدخل يعد خبرة تعليمية متكاملة يمر بها المتعلم ويكتسب من خلالها معلومات ومفاهيم واتجاهات وقيما، ويمارس من خلالها مهارات عقلية واجتماعية، وفي الوقت نفسه يقوم بدور إيجابي في جمع المعلومات، ويستفيد منها في اتخاذ قرار معين، أما دور المعلم فهو منظم للخبرة وموجه لتعلم التلاميذ أثناء مرورهم بها، بالإضافة إلى أن هذه اللعبة قد تثير في نفس المتعلم العديد من التساؤلات وقد تثير في نفسه الدافعية إلى الاستزادة وتعلم الكثير عن تلك الظروف التاريخية والجغرافية لهذه الفترة، وكذا المؤثرات والأحداث التي شاركت في تشكيل واقع مجري الأحداث والمواقف والمشكلات فيها.

وهكذا يمكن القول أن هذا المدخل بقدر ما يحل من مشكلات تدريس المواد الاجتماعية فهو يثير أيضا مجموعة من التساؤلات تعد مداخل لتطوير أداء معلم المواد الاجتماعية في التدريس.
وهنا نعود إلى الإجابة عن السؤال الذي سبق أن طرحناه في مقدمة هذا الفصل الخاص بالعوامل المسئولة عن عدم استخدام مدخل الألعاب الأكاديمية بمدارسنا. فلا يزال التدريس في مدارسنا مشدودا إلى النمط التقليدي، أو بمعنى آخر إلى الفكر التقليدي الذي يركز على المعلم في الموقف التعليمي، أما عن استغلال نشاط المتعلم فلا يتم إلا بقدر محدود، ربما يتمثل في إجابة بعض الأسئلة الشفوية داخل الفصل أو ممارسة بعض الأنشطة خارج الجدول المدرسي لتصميم وسيلة أو كتابة بحث قصير.
ربما يضاف إلى العامل السابق أن أدوار المعلم ما زالت مقتصرة على الناحية الإلقائية والمناقشة في أضيق الحدود، وغالبا ما يكون محور هذه المناقشة المادة العلمية ومراجعتها والتأكد من استيعابها، كما أن هناك سببا آخر يعوق استخدام هذا المدخل في مدارسنا هو عدم إتاحة الفرصة للمعلم لدراسة هذا المدخل في كليات التربية أثناء إعداده، أو دراسته من خلال البرامج التدريبية التي تقدم له أثناء الخدمة، كما أن عدم توافر  ألعاب أكاديمية مصممة بحيث تتمشى مع المناهج السائدة في مدارسنا يؤدي إلى إحجام المعلمين عن استخدام هذا المدخل.

أما عن الامتحانات التي لا تزال حتى اليوم لا تقيس إلا الجانب المعرفي والذي يكون التركيز عليه بدرجة أقل في مدخل الألعاب الأكاديمية، فالتركيز يكون بدرجة أكبر على تدريب المتعلم كيف يتخذ القرار وكيف يعبر عن رأيه، ومن هنا كانت فلسفة هذا المدخل تختلف تماما مع فلسفة التقويم الحالية في مدارسنا، وبالتالي فإن المعلم لا يجد قيمة حقيقية في استخدام الألعاب الأكاديمية إذ إنها لا تدخل في إطار عملية التقويم بشكل عام، ومن ثم يكون التركيز على مادة الكتاب وغيرها من الأساليب التي يمكن أن تثري حصيلة التعلم لدى التلاميذ.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
error: النسخ محمي . ادارة الموقع
إغلاق
إغلاق