الواجبات المنزلية

من أكثر الأمور أهمية في العملية التعليمية ما يكلف به التلاميذ من واجبات منزلية بين درس وآخر، وهو يعد من الأمور الأساسية بالنسبة للمعلمين والتلاميذ، بل وكثيرا ما يمتد الإحساس بأهمية هذا الأمر إلى أولياء الأمور، ويتمثل هذا الاهتمام في حرصهم على أن يقوم الأبناء بإنجاز ما يطلب إليهم إنجازه في الوقت المناسب، لذلك نجد المعلمين يوزعون التكليفات على التلاميذ في نهاية كل درس، وقد تكون في شكل قراءة درس ما، أو حل مسائل حسابية أو رسم شيء معين أو كتابة موضوع للتعبير أو عمل بحث قصير أو أعمال مكتبية أو الاستماع إلى تسجيل صوتي أو مشاهدة برنامج تليفزيوني أو غير ذلك من الأمور التي تعتبر من باب التدريب والامتداد للدرس الذي تم للمعلم تدريسه.
وقد لا تقف الواجبات المنزلية عند هذا الحد ولكن قد يتطلب بعضها وقتا أكثر من يوم واحد، فقد يكلف التلاميذ بأعمال تستغرق يومين أو أسبوعا أو أكثر. والشيء المؤكد في هذا الشأن هو أن الواجب المنزلي إذا ما أحسن المعلم تخطيطه فهو يمكن أن يساعد التلاميذ على زيادة معلوماتهم ونمو مهارتهم، هذا فضلا عن أنها يمكن أن تتيح للتلاميذ الفرص للاستجابة الذاتية في المجالات التي تعالجها الواجبات المنزلية، بالإضافة إلى أنها فرص حقيقية لهم للتفكير المتأني والابتكار والتعلم الذاتي.
ومن أمثلة الواجبات المنزلية التي تساعد التلاميذ على التفكير والابتكار:
1- في أثناء عودتك من المدرسة إلى المنزل لاحظ أنواع الأشجار التي توجد في الطريق ثم صف أشكالها في صفحة واحدة.
2- أنظر إلى اللوحة المعلقة على الجدار الأيمن بالمكتبة والتي رسمها أحد الفنانين العالميين ثم اكتب انطباعاتك عنها وما أعجبك وما لم يعجبك فيها.
3- تصور أنك كنت تلميذا في مدرسة في العصور الوسطى ثم صف يوما مدرسيا.
4- تصور أنك كنت أحد جنود “صلاح الدين الأيوبي” حينما استرد بيت المقدس من الصليبيين.. بماذا كنت تنصحه حينما دخل المدينة؟
وقد تأخذ الواجبات المنزلية شكلا آخر، فقد تكون في شكل تدريبات أو مراجعة أو إعداد لدرس قادم أو تعبير كتابي أو تعبير بالرسم أو ما شابه ذلك من الواجبات التي اعتاد المعلمون تكليف الأبناء بها.
والواجبات المنزلية مهما كان نوعها يجب أن تكون وثيقة الصلة بأهداف الدرس، بمعنى أن بلوغ التلاميذ للأهداف ليس قاصرا على الوقت المخصص للدرس ولكن، يجب أن يمتد إلى ما بعده، بل ويجب أن تكون تلك الواجبات حلقة وصل بين الدرس الذي تم تدريسه، والدرس التالي، وعلى ذلك فإننا نرى أن الواجبات المنزلية يكون لها عادة وظيفة أو أكثر من الوظائف الآتية:
1- تطبيق ما سبق تعلمه:
فقد يكون الدرس متضمنا بعض المفاهيم أو المبادئ، وفي هذا الحالة تكون الواجبات المنزلية مجالا لكي يطبق التلاميذ ما سبق تعلمه على مواقف جديدة ربما درسوها من قبل أو لم تتح لهم فرص دراستها.
2- التدرب على مهارات معينة:
فقد يحتوي الدرس على مهارة أو أكثر ولكن لم يجد المعلم الوقت الكافي لتدريب الجميع ليصلوا إلى مستوى معين من التمكن من تلك المهارات، وبالتالي فهم في حاجة إلى فرص مناسبة للتدرب حيث يكون الوقت متاحا أكثر من الزمن المخصص للدرس.
3- مراجعة الأفكار الأساسية الواردة بالدرس:
وفي هذه الحالة يكلف المعلمون تلاميذهم بواجبات معينة من أجل الربط بين الأفكار التي تضمنها الدرس وغيرها من الأفكار ذات الصلة بها والتي تضمنتها مواد أخرى أو دروس أخرى، أو حتى خبرات سبق للتلاميذ أن مروا بها في حياتهم اليومية، مثل قراءة قصة أو خبر أو كشف علمي أو ما شابه ذلك.
4- إثارة اهتمامات التلاميذ استعدادا للدرس القادم:
فالتلاميذ في حاجة دائما إلى ما يثير اهتماماتهم، وبقدر نجاح المعلم في توفير ما يمكن أن يساعد على ذلك بقدر ما يكون نجاحه ونجاح تلاميذه في مختلف المواقف التعليمية، لذلك يلجأ المعلمون أحيانا إلى تكليف التلاميذ بأعمال يكون الهدف منها إثارة تساؤلات يشعر بها التلاميذ ولا يجدون الإجابة عنها أو عن معظمها إلا في الدرس التالي.
5- الدراسة الذاتية:
قد يجد المعلم أنه ليس من الضروري أن يكلف جميع التلاميذ بواجبات موحدة إذ كثيرا ما يرى أن التلاميذ يختلفون في اهتماماتهم وفي قدراتهم وبالتالي فإن تكليف الجميع بواجبات موحدة يعد فاقدا في الوقت والجهد بالنسبة لعدد لا بأس به من التلاميذ، لذلك قد يكلف معظم تلاميذ الفصل الواحد بواجبات موحدة، وفي نفس الوقت يكلف البعض بالرجوع إلى إحدى دوائر المعارف مثلا أو إحدى الدوريات أو إعداد جداول معينة أو خريطة معينة أو غير ذلك.
6- التلخيص:
وفي هذه الحالة يهدف المعلم إلى إتاحة الفرص للتلاميذ للتعبير عن المادة التي اشتملت عليها مادة الدرس بصورة موجزة، وخاصة أن هناك من الكتب ما يحتوي على تفصيلات ربما يشعر المعلم أنه لا لزوم لها، وبالتالي فإن الواجب المنزلي يعد أداة مناسبة لتعليم التلاميذ كيف يعبرون بصورة مختصرة عن مضمون الدرس.
7- حل مشكلة معينة:
وفي هذه الحالة يكون الهدف الأساسي من الواجب المنزلي هو جعل التلاميذ يقفون وجها لوجه أمام مشكلة معينة محددة في شكل تساؤل أو أكثر، وهنا يكون على التلاميذ أن يفكروا تفكيرا تباعديا بحيث يستطيعون التوصل إلى الحلول المقترحة للمشكلة المثارة.
8- مقارنة فكرتين أو أكثر:
قد يستخدم المعلم في تدريسه مصادر متنوعة من مصادر التعلم وفي هذه الحالة يستطيع التلاميذ أن يصلوا إلى أن تلك المصادر تعالج فكرة ما بصور مختلفة، ومن ثم فقد يكلفون بواجب منزلي يكون عليهم فيه أن يحاولوا المقارنة بين فكرتين أو رأيين بصدد أمر معين، ومن هنا يتعلمون القراءة الناقدة من منظور تحليلي.
هذه هي الوظائف الأساسية للواجبات المنزلية، وقد يرى المعلمون وظائف أخرى في إطار المواد الدراسية المختلفة. ولقد لوحظ بوجه عام أن هناك من المعلمين من يميلون إلى الإكثار من الواجبات ا لمنزلية إلى جانب الواجبات الأخرى لمعلمين آخرين، وهنا يجد التلاميذ أنفسهم في موقف يكون عليهم فيه أن يقضوا وقتا طويلا أكثر من اللازم في إنجاز هذه الواجبات مما يترتب عليه العديد من الاضطرابات وخاصة إذا كان التلاميذ قد تعودوا أن يأخذوا الواجبات مأخذ الجد، ولعل ذلك يدعونا إلى القول أن أي واجب منزلي يكلف به المعلم تلاميذه لابد أن يكون له وظيفة واضحة في ذهن المعلم وكذا في أذهان التلاميذ، ويتطلب ذلك أيضا أن يكون هناك نوع من التنسيق بين جميع معلمي الفصل الواحد بحيث لا يشعر التلاميذ بتراكم الواجبات المنزلية مما قد يعرضهم للارتباك والفشل في إنجاز المطلوب على النحو الذي يتوقعه المعلمون.
وبناء على ذلك فإن المعلمين لابد أن يعرفوا الكثير عن تلاميذهم من أجل تقديم الواجبات المنزلية المناسبة لهم، وحتى تكون ذات قيمة حقيقية من الناحية التربوية، والسبيل إلى ذلك هو ملاحظتهم المنظمة أثناء التدريس وتحليل أوراق إجاباتهم لتحديد مشكلاتهم الدراسية، ولاشك أن معرفة اهتماماتهم وهواياتهم من الأمور الحيوية في هذا الشأن، ويستطيع المعلم أيضا بمساعدة الأخصائيين الاجتماعيين والرجوع إلى ملفات التلاميذ أن يعرف الكثير عنهم مما يمكن أن يساعده في تخطيط دروسه عامة، وفيما يخططه من الواجبات المنزلية خاصة.
ويرتبط بضرورة معرفة المعلم للكثير عن تلاميذه معرفة كل شيء عن مصادر التعلم التي يمكن استخدامها في الواجبات المنزلية فقد تضم مكتبة المدرسة كتبا متنوعة، وفي هذه الحالة لابد للمعلم من دراسة وافية لمضمون تلك الكتب ومدى توافرها بحيث يستطيع توجيه تلاميذه لاستخدامها في الوقت المناسب وعلى النحو المرغوب فيه، ومن الأمور الأساسية في هذا الشأن أن يعرف المعلم كيف يقدم الواجبات المنزلية إلى تلاميذه بحيث تكون ذات فعالية بالنسبة لهم، وفيما يلي بعض القواعد الهامة في هذا الشأن:
1- يجب أن يقرر المعلم متى سيقدم الواجب المنزلي إلى التلاميذ، هل في بداية الدرس أم في نهايته أم سيتم التوصل إليه مرحليا أثناء تنفيذ الدرس؟ وعلى أية حال فإن القاعدة المتبعة في هذا الشأن هي أن الواجب المنزلي يجب أن يكون على صلة وثيقة بالدرس، وقد يكتبه المعلم على السبورة أو يمليه على التلاميذ، ولكن بشرط أن يتم ذلك في نهاية الدرس وليس في بدايته أو في أثنائه، أما عن تقديم الواجبات في بداية الدرس أو في أثنائه فقد يجد المعلم ضرورة لذلك وخاصة حينما تكون الواجبات متعلقة بدروس سابقة للدرس الحالي وتوجد بينها علاقة استمرار وتكامل.
2- يلاحظ أن بعض المعلمين يفضلون كتابة الواجبات المنزلية على السبورة أو قد يفضل البعض الآخر إملاؤها على التلاميذ، فاستخدام الأسلوب الأول يساعد الجميع على كتابة الواجبات بدقة ووضوح وفي هدوء تام، بينما يلاحظ أن الأسلوب الثاني يؤدي في كثير من الأحيان إلى الفوضى وتداخل الأصوات.
3- أن إعطاء الواجبات في نهاية الدرس ومع بداية الدرس التالي يعد أسوأ من عدم إعطاء واجبات كلية، بمعنى أن المعلم لا ينبغي أن يملي الواجبات على تلاميذه في اللحظات الأخيرة من الدرس بحيث يضطر الجميع إلى اقتطاع بعض الوقت من الدرس التالي، وخاصة أن هذا الأمر كثيرا ما يشيع الاضطراب والفوضى، فضلا عن أن بعض التلاميذ لا يستطيعون تحديد المطلوب بوضوح كما أنهم كثيرا ما يودون توجيه أسئلة إلى المعلم بخصوص الواجبات ولا يجدون الفرصة الكافية لذلك، ومن ثم فإن عدم إعطاء واجب للتلاميذ في هذا الموقف يعد أفضل من التعرض لظروف غير طبيعية من هذا النوع.
4- أن الواجبات المنزلية هي تكليفات من المعلمين للتلاميذ، وبالتالي فإن مسئولية إنجاز هذه الواجبات تقع على عاتق التلاميذ فقط دون أولياء أمورهم أو أشقائهم، فالأمر لا يهدف إلى مجرد تغطية موقف معين من الناحية الشكلية، ولكن المسألة تعني في جوهرها أن يقوم التلميذ بالجهد المطلوب الذي يستطيع المعلم من خلاله التوصل إلى الصورة الحقيقية لكل تلميذ مما يساعده في تعديل مسار أسلوب العمل، ويرتبط هذا الأمر أصلا بالنظرة إلى الواجبات المنزلية باعتبارها أعمالا تمثل أعباء لا يستطيع التلميذ القيام بها منفردا، لذلك نجده يسعى إلى مساعدة الآخرين، على اعتبار أن تلك الواجبات تحتوي على العديد من الأعمال الروتينية التي لا تثير اهتمامات التلميذ.
5- يجب أن يقوم المعلم بشرح تفصيلي للواجبات المنزلية التي يكلف بها تلاميذه وذلك قبل انتهاء الدرس، بحيث يستطيع كل تلميذ تحديد المطلوب منه على درجة من الدقة، لأن ذلك يساعد على قيام كل تلميذ بأداء المطلوب منه على نحو سليم بينما يؤدي الغموض في هذا الشأن إلى تخبط التلاميذ وربما قيامهم بأداء أعمال غير مطلوبة أو التقصير عن غير قصد في أداء أعمال أخرى يتوقعها المعلم.
6- إن إنجاز التلاميذ للواجبات المطلوبة يعني أن يعرف كل منهم مدى نجاحه أو فشله فيما قام به من أعمال، ومن حق كل تلميذ أيضا أن يعرض المشكلات التي شعر بها أثناء ذلك، ومن واجب المعلم أن يتيح الفرص لتلاميذه لمناقشة كل ما يرون ضرورة مناقشته.
7- يجب أن يلاحظ المعلم أن قيام التلاميذ بأداء الواجبات هو الأمر الهام، وليس بالضرورة أن يراجع المعلم جميع الواجبات، إذ أنه لو افترضنا أن المعلم لديه خمسة فصول وكل فصل يضم ثلاثين تلميذا وكل تلميذ يقدم للمعلم صفحة واحدة يوميا سيكون عليه أن يراجع مائة وخمسة ورقة يوميا، مما يمثل جهدا يوميا إضافيا غالبا مالا يستطيع المعلم تحمل مسئوليته، لذلك فمن الأساليب المتعبة في هذا المجال أن يجمع المعلم إذ أن التلاميذ إذا ما أدركوا أن المعلم يتبع نسقا واحدا في جمع الواجبات فذلك سيؤدي غالبا إلى معرفة متى سيطالب كل منهم بواجباته؟ وبالتالي ينجز الواجبات كل يوم ولكنه يعدها في الوقت المناسب والذي يتفق مع موعد مطالبته بها، ويتطلب ذلك أن يعد المعلم قائمة خاصة يدون فيها الواجبات الخاصة بتلاميذه ومدى التزامهم بأدائها في الأوقات المناسبة، فيكتب الأسماء ويكتب أمام كل اسم عنوان الواجب وتاريخه، وإذا كان مقبولا أو غير ذلك من وجهة نظر المعلم، أو إذا كان متميزا عن غيره من زملائه، وغير ذلك من البيانات التي يعتبرها المعلم أساسية في هذا الشأن، وخاصة تلك التي تبرز نواحي القوة ونواحي الضعف في أعمال كل تلميذ من تلاميذه.
8- ضرورة مناقشة الواجبات التي تم إنجازها مع التلاميذ، وذلك لتنمية مهاراتهم في الإجابة عن الأسئلة وتقديم الأفكار والتصورات وتنظيم الحقائق وتفسير التعميمات والمبادئ، هذا ومن الضرورة بمكان أن يشارك جميع التلاميذ في تقويم الواجبات بشكل أو آخر بهدف التعرف على ما صادف كل منهم من صعوبات وتدريبهم على مناقشة موضوع وثيق الصلة بهم جميعا.
9- عندما ينجز أحد التلاميذ أو بعضهم واجباتهم بشكل متميز، فهذا يعني أن المعلم يجب أن يعرض تلك الواجبات على جميع التلاميذ وأن يثني على الجهد المبذول فيها، مما يساعد في كثير من الأحيان على دفع التلاميذ إلى بذل المزيد من الجهد، وذلك بشرط ألا يؤدي إلى نوع من التنافس غير الشريف بين تلاميذ الفصل.
هذه هي القواعد الأساسية التي يجب أن توضع في الاعتبار فيما يتعلق بالواجبات المنزلية بالرغم من أنها ليست بالضرورة أن تكون على نمط واحد، فقد تختلف الواجبات حتى ولو كانت بالنسبة لوحدة دراسية واحدة، بمعنى أن المعلم يمكن أن يوجه تلاميذه إلى الإجابة عن الأسئلة المدرجة في نهاية الوحدة بالكتاب المدرسي، وقد يكلفهم بتسجيل ملاحظات في البيئة المحلية، أو تسجيل أخبار من الصحف اليومية أو البرامج الإذاعية والتليفزيونية.
وفي جميع الأحوال ومهما كان نمط الواجب المنزلي فلابد من وضوح وظيفته وأهدافه ومكوناته والإجراءات الأساسية المطلوبة لإنجازه.
ولعلنا نلاحظ أن هناك من التلاميذ من يقصرون في إنجاز الواجبات التي يكلفون بها، وهو ما يؤدي كثيرا إلى مشكلات يتعلق بعضها بالتحصيل الدراسي، وبعضها الآخر بالميل نحو المادة أو العزوف عنها، ولعل ذلك يعني أننا كمعلمين لابد أن ندرس هذه الظاهرة بعمق وهدوء وبدون انفعال، وهذا يتطلب التعرف على الأسباب الحقيقية لذلك، فكثيرا ما يواجه التلاميذ بظروف قد تعوقهم عن إنجاز المطلوب في الوقت المناسب، وقد يكتشف المعلم أن تلميذا أو بعض التلاميذ لديهم من الأسباب الكافية والمقنعة لعدم إنجازهم للمطلوب، وقد يكتشف أيضا أن السبب في ذلك هو تعدد الواجبات وكثرتها إذا ما قورنت بالوقت المتاح للدراسة المنزلية، وقد يكتشف أيضا أن السبب يكمن في الواجب ذاته، حيث صادف التلميذ مشكلة أو أكثر قد ترجع إلى عدم الفهم أو تضارب الأفكار والمفاهيم أو تداخلها وهي كلها مشكلات إذا ما توصل المعلم إلى تحديد دقيق لها، سيكون ذلك هو نقطة البداية اللازمة للعلاج السليم وتعديل مسار العمل.
وهناك بعض المدارس التي تعني بإنجاز التلاميذ للواجبات التي يكلفون بها داخل جدران المدرسة وقبل انتهاء اليوم المدرسي، فتجهز القاعات ويخصص أحد المشرفين لمتابعة التلاميذ أثناء العمل، وبالتالي فهم حينما يغادرون أبواب المدرسة لا يكون أمامهم سوى تمضية الوقت في الراحة والاطلاع الحر أو إشباع هواية ما، ولعل هذا الأسلوب يعد ناجحا إلى حد كبير وخاصة إذا ما توافرت له ضمانات النجاح بتخصيص وقت في الجدول الدراسي ومشرفين أكفاء وتخطيط جيد للواجبات وتوافر مصادر متعددة للتعلم يستطيع التلاميذ الرجوع إليها إذا ما شعروا بالحاجة إليها. وعلى أية حال فإن ما نود تأكيده في هذا المجال هو أن الواجب المنزلي مهما كان شكله ومكوناته وأسلوب عمل التلاميذ فيه هو في حقيقة الأمر بعد تعبيرا عن نوع الفكر التربوي السائد والذي يلتزم عام، كما يحكم الممارسات المستخدمة فيها، وبالتالي فإن الواجب المنزلي باعتباره نظاما فرعيا ينتمي إلى نظام أكبر وأشمل فهو يتأثر تماما بذلك الفكر، وبالتالي فإن المعلم في تصوره عن الواجبات المنزلية ووظائفها وأشكالها وكافة ممارساتها الأخرى يخضع كلية لذلك الفكر، ولعلنا لا نغالي إذا قلنا إن الواجبات ا لمنزلية ف مدارسنا تحتاج إلى مراجعة ونظرة ناقدة في ضوء حركة الفكر التربوي، ونقطة البداية هي أن تعرف الأخطاء بدقة ووضوح وهنا يبدأ العلاج السليم، وإننا نرى أن النقد الأساسي يجب أن يوجه إلى النظرة السائدة إلى المعرفة ذاتها باعتبارها الهدف الأساسي من عملية التربية، فالأمر لا يزال مستندا في الغالب على عمليتي التحفيظ والتسميع، لذلك فإن معظم ما يبذله المعلم والتلاميذ موجه نحو هذا الهدف،وبالتالي فإن الواجبات المنزلية يغلب عليها طابع الحفظ والاستظهار والنمطية في أغلب الأحوال، وهذا يعني أن معظم الواجبات المنزلية هي في حقيقتها تدريبات شكلية لزيادة مستوى الاستيعاب، وهو الأمر الذي تعني به الامتحانات، ومن هنا فإن المعلمين لا يجدون غالبا المبرر القوي الذي يستطيعون لأجله تقديم واجبات تختلف في أهدافها ووظائفها بحيث تكون أداة حقيقية لمساعدة التلاميذ على التفكير واكتسابهم الكثير من الاتجاهات والمهارات والعادات التي تعني بها عملية التربية من أجل بناء المواطن فكرا وقيما وسلوكا.
وبناء على ذلك فلابد من النظر إلى الواجبات المنزلية في الإطار الكلي الذي تنتمي إليه، بمعنى أننا لا نستطيع عزلها ودراستها كظاهرة مستقلة عن غيرها من جوانب العملية التربوية، إذ أن ذلك سيجعل تلك الدراسة على درجة كبيرة من السطحية، بل وسيكون تشخيصها وتحديد مشكلاتها وأسبابها ضربا من ضروب العفوية والارتجال، وهذا يتطلب تحليلا كاملا للفكر التربوي السائد ومدى الاقتناع به على كافة مستويات الإدارة التربوية، ومدى الالتزام به في مختلف الممارسات ومنها المناهج الدراسية بكل مشتملاتها تخطيطا وتنفيذا وتقويما وتطويرا، وعندئذ فقط يكون في مقدورنا أن نرجع الظاهرة إلى أصولها ونتتبعها من خلال منهج علمي يساعدنا على معرفة الإيجابيات والسلبيات وسبل العلاج اللازمة، ولعل ذلك الأمر يحتاج إلى تبني وجهة نظر تستهدف التطوير الصادق والهادف إلى تحسين نوعية العملية التربوية.
وبالرغم من الحاجة الملحة إلى دراسات من هذا النوع بحيث تتميز بالشمول والاستمرارية والعمق فإننا نرى أن مسألة الواجبات المنزلية هذه لا تزال مفيدة ومشدودة إلى الفكر التربوي التقليدي بكل ما يحمله من أسس لم تعد مناسبة في عصر أصبحت فيه تربية الإنسان أسمى عملية ترجو المجتمعات تحقيقها على أفضل نحو ممكن، ومع ذلك وفي ظل الأوضاع القائمة فلا يجوز أن نظل ندعو المعلم لكي يظل منتظرا حتى تتم تلك الدراسات وحتى يتم التطوير الشامل الذي يرجي أن يكون لمسألة الواجب المنزلي نصيب منها، وكذلك لا نرضى كمربين أن يظل المعلم حبيس نظام وأفكار تقليدية لا تصلح لتربية الأبناء في عصر له سماته وخصائصه التي تختلف عن سمات وخصائص ذلك العصر الذي ظهرت فيه تلك النظم والأفكار، لذلك فربما يكون من المفيد في هذا المجال أن نقدم للمعلم الممارس للمهنة وكذلك للطلاب المعلمين الذي يستعدون للالتحاق بتلك المهنة معايير أو شروطا يمكن استخدامها فيما يقدمونه للتلاميذ من واجبات منزلية سواء بالنسبة لتخطيطها أو تنفيذها، ويستطيع المعلم إذا ما استخدم تلك الشروط أن يتوصل إلى صورة حقيقية لمستوى وجودة وصلاحية الواجبات المنزلية، كما يستطيع أيضا أن يطور في استخدامه لها إذا ما تكشف له ما قد تحمله من سلبيات.
وهذه المعايير هي: | نعم | لا |
1-هل يرتبط الواجب بأهداف الدرس؟2-هل ترتبط كل مجموعة واجبات بوحدة دراسية معينة؟3-هل هناك تنوع في الواجبات؟4-هل الواجبات موحدة بالنسبة لجميع تلاميذ الفصل؟5-هل يعد الواجب نمطيا؟6-هل أعد المعلم الواجب وخططه جيدا؟7-هل يقدم المعلم الواجب إلى تلاميذه بطريقة عفوية؟8-هل أدرك التلاميذ أهداف الواجب؟9-هل أدرك التلاميذ علاقة الواجب المنزلي بالدرس؟10-هل يتضمن الواجب مشكلة أو أكثر يجب أن يصل التلاميذ إلى حلها؟11-هل يتطلب الواجب ابتكارا من جانب التلاميذ؟12-هل يتيح الواجب فرصا للتلاميذ للتعبير عن الذات؟13-هل يتضمن الواجب عمليات تطبيقية؟14-هل يتضمن الواجب عمليات تحليلية؟15-هل يوجد تنسيق في الواجبات بين معلمي الفصل الواحد؟16-هل يتطلب الواجب استخدام مصادر أخرى غير الكتاب المدرسي؟17-هل بين المعلم عناصر الواجب تفصيلا قبل الانصراف؟18-هل تمت مناقشة الواجبات تفصيلا مع التلاميذ قبل انصراف المعلم؟19-هل كان الواجب مثيرا للاهتمامات؟20-هل كان هناك خطأ في الفهم من جانب التلاميذ؟21-هل هناك متابعة من جانب أولياء أمور التلاميذ؟22-هل أنجز جميع التلاميذ الواجب؟23-هل أثار الواجب تساؤلات لدى التلاميذ؟24-هل شعر التلاميذ بصعوبات فيه؟25-هل تعرف المعلم على أسباب عدم إنجاز البعض للواجب؟26-هل كانت هناك واجبات متميزة؟27-هل عرضت بعض الواجبات المتميزة على تلاميذ الفصل؟ |
هذه هي الشروط التي تعتبر أساسية في مجال الحكم على مدى ملائمة الواجبات المنزلية، ومع ذلك فهي ليست نهائية، بمعنى أن المعلم يستطيع أن يضيف إليها أو يعدل بعضها طبقا للظروف والمتغيرات التي تفرض نفسها على الموقف، إذ أن القاعدة في هذا الشأن هي أن –المعلم صاحب مهنة ومن حقه، بل ومن واجبه أن يجدد وأن يفكر وأن يبتكر على النحو الذي يكون من شأنه أن يطور الخدمة التعليمية شكلا وموضوعا.