أخلاقيات مهنة التدريس في ضوء المنهج الإسلامي
مقدمة
بالرغم من وجود بعض الاختلافات في الهدف من مهنة التدريس بين العاملين في المجال التربوي، إلا أن هناك عنصرا مشتركاً بينهم وهو أن الهدف الأساسي من هذه المهنة هو توجيه سلوك الفرد وقد ترجع هذه الاختلافات إلى الاختلاف في الأهداف بين التربية القديمة والتربية الحديثة أو الأهداف بين مجتمع ما ومجتمع آخر تبعاً لاختلاف الاتجاهات السائدة في هذين المجتمعين، فهناك مثلاً الاتجاهات المادية، وهناك الاتجاهات الروحية، ثم ظهرت الاتجاهات التكاملية التي تهتم ببناء الشخصية المتكاملة من خلال تربية وتعليم الفرد. وهذا ما أشار إليه العديد من علماء التربية مثل: رونيه أوبير، سبنسر، بستالوزي، ورتشارد لفنجستون ودور كايم، وغيرهم.
وبالرغم من جهود هؤلاء العلماء والمربين، فقد أثبتت التجربة العملية فشل كل هذه الفلسفات والنظم التربوية الدخيلة علينا كمجتمع إسلامي بل وعجزها عن تربية الفرد والمجتمع في الغرب والشرق على حد سواء.
وإذا كانت التربية أساسية في حياة الناس، فلا بد وأن تؤخذ فلسفتها ومبادئها لا من نظريات سبنسر وبستا لوزي وغيرهم بل من القرآن الكريم والسنة النبوية، من المنهج الثابت الذي لم يدع للنظريات التربوية ولا لاجتهادات التربويين الفردية، شيئاً من الأسس والمبادئ التي تنفع الناس في أمور حياتهم في الدنيا وفي الآخرة. يقول الله تعالى: ﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ [سورة الأنعام/ الآية: 38] ويقول عم من قائل: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ [سورة النحل/ الآية: 89] وكان من نتيجة اتباع تلك النظريات التربوية بمعزل عن القرآن الكريم أن أصبح نظام التربية والتعليم في مؤسساتنا التعليمية غير قادرة على تأدية رسالته فلا هو بلغ بالمسلمين في أمور الدنيا ما بلغ بغيرهم، ولا هو استجاب لمشاعرهم وصدق ميولهم، وأشبع الاتجاه الديني المتأصل في نفوسهم بالرغم من ذلك فإن هذه النظريات التربوية قديماً وحدثا ما هي إلا رافد من روافد التعليم الديني نصاً وروحا.
المنهج الإسلامي:
أرسل الله -سبحانه وتعالى- لكل رسول ونبي منهجا واضحاً ودقيقاً وسلساً في مجال التربية والتعليم، يقول الله تعالى: ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [سورة المائدة/ الآية 48]. هذا هو القرآن الكريم وصفه الله -سبحانه وتعالى- بأنه مصدق لما بين يديه ومهيمن عليه هذا هو القرآن الكريم يحسم قضية أنه منهج ومعجزة، فهو منهج للحياة ينير الطريق لمن يمتثل لما أمر الله به ويجتنب ما نهى عنه، ومعجزة في أنه حق ثابت وبقاؤه خالدا مهمة من السماء لم توكل لأحد من البشر، يقول الحق: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [سورة الحجر/ الآية: 9].
وجاء المعلم الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم بالمنهج الإسلامي وما به من نظريات تربوية دقيقة تقوم على الاقتناع العقلي والنفسي والروحي وتتبنى الاتجاه التكاملي في تكوين الفرد الصالح في الحياة الدنيا، وإعداده للحياة الآخرة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في مهنته كمعلم ومرشد ومصلح، في مبادئ مدرسته وأهدافها ووسائلها، في التربية والتقويم، فيم حواها العلمي وما يتناوله من طبيعة وإنسان وحيوان ونبات وجماد وأنظمة.
وبرز عدد من العلماء المسلمين في ظل هذا المنهج الشامل، وإن كانت محاولاتهم توقفت عند حدود التخطيط الجيد، والتفكير العلمي الصحيح، دون الوصول إلى جعل القرآن الكريم عملاً وسلوكاً داخل المؤسسات التعليمية، وظل تفكيرهم محصوراً في تقديم هذا المنهج في صورة منفصلة عن باقي المناهج، في صورة مقررات منفصلة للإرشاد والتوجيه وحفظ بعض السور، وافعل ولا تفعل بعيداً عن روح المنهج والتطبيق العملي، ففصلوا بين الدين والحياة ونسوا أنها مكونات لشخصية واحدة نسعى جميعاً لتربيتها للحياة الدنيا والآخرة. نسوا أن المنهج الإسلامي منهج دقيق كامل متكامل، وإذا نجحنا في تطبيقه، أعطانا الأكمل والأفضل والأمثل دائماً في مجال مهنة التدريس، ولم لا وهو المنهج الذي كرم الله به بني آدم أجمعين.
قال تعالى: ﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [سورة الإسراء/ الآيات: 13- 14].
كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [سورة الإسراء/ الآية: 36]. ولم لا وهو المنهج الذي يأخذ الكائن البشري بواقعه الذي هو عليه يعرف حدود طاقته ويعرف مطالبه ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [سورة البقرة/ الآية: 286] ولم لا وهو منهج القوة. قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾ [سورة الأنفال/ الآية: 60]، والعلم ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [سورة طه/ الآية: 114]، والحرية الموجهة ﴿ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة يونس/ الآية: 99]. والعلاقات الاجتماعية ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [سورة الحجرات/ الآية: 10].
والتراحم والتكامل ﴿ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [سورة البقرة/ الآية: 274].
والنظم والعلاقات الدولية، قال تعالى: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ [سورة هود/ الآية: 88] والشورى، وروابط الأسرة والعلاقات بين الأفراد والطبيعة… إلخ.
ولم يترك شيئاً إلا وضع أسس التعامل معه. هذا المنهج الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يمكننا أن نحدده في ضوئه ثلاثة مناحٍ أساسية:
1- أن يكون أساسا للهداية وتنظيم علاقة المخلوقات بما فيهم الإنسان بالخالق إيماناً وتوحيدا وتسليما، ثم تنظيم علاقتهم فيما بينهم من تعامل وتصور للكون والحياة. هذه الهداية تميزت بالعمومية والدقة والوضوح والشمول. قال تعالى: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ﴾ [سورة الأنعام/ الآية: 19]. لأن هذا المنهج سجل كل ما يحتاج إليه الإنسان من عقيدة وأخلاق وعبادات ومعاملات. ونظم علاقة الإنسان بربه وبالكون وبطريقة علمية حكيمة مع مراعاة مطالب العقل والجسد، يقول تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [سورة الملك/ الآية: 14].
2- أن يكون هذا المنهج تثبيتا وتأييدا لمحمد صلى الله عليه وسلم معلم البشرية ومدرسته بما فيها من معرفة وأهداف وطرق وأساليب تدريس ووسائل معينة وتقويم ومعلمين ومتعلمين. ومن آيات صدق هذا المنهج وإعجازه عدم التناقض والتعارض على مر العصور والأجيال، وما من حقيقة علمية أو قضية أو أي جزئية في المجال التعليمي أو غيره من المجالات في هذا الكون الواسع إلا وقد دخلت تحت كلية من كليات هذا القرآن العظيم توجيهاً وهداية وحكما يقول الله -سبحانه وتعالى: ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [سورة الإسراء/ الآية: 88]. كما يقول جل شأنه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [سورة النساء/ الآية: 82].
3- عبادة الله بتلاوة القرآن الكريم والتفكر في آياته. هكذا نجد أن القرآن الكريم كمنهج كامل تربوي يهدف إلى تكوين الشخصية الإنسانية الصالحة الخيرة وركز على اتباع الجوانب الإيجابية في تربية الإنسان، واجتناب الجوانب السلبية التي تنقص من قيمة هذا الإنسان، كما تناول القرآن جوانب كل شيء في التربية وفصلها وبينها لنا في آياته، فمن أهداف التربية القرآنية:
1- الاقتداء بالأنبياء والرسل كنموذج رفيع مزود بأساليب ووسائل تربوية فعالة.
2- الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة واستخدام الأساليب الحسنة بالموعظة، والتمتع بالرحمة.
قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [سورة النحل/ الآية: 125].
3- دعوة الفرد إلى التفكر والتفاؤل والتطلع الدائم نحو الخير والأمل، فلا نجهل ذلك لأنها إرادة الله ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [سورة الأنعام/ الآية: 35].
4- ديمومة العمل والإخلاص فيه والسعي بجد ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [سورة الفرقان/ الآية: 1].
5- تربية الفرد على الصدق والشجاعة ومواجهة الباطل من خلال منهج الحق وتطبيقه. ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [سورة الكهف/ الآية: 29]. وإن كان المنهج الإسلامي جاء لتوضيح كل شيء كما قال الحق ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة الأعراف/ الآية: 52] فقد أرسل الله لنا معلماً كبيراً في تفكيره، قدوة في سلوكه ليوجهنا ويعلمنا في مدرسته قواعد هذا المنهج وأسسه وأساليبه التربوية ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة البقرة/ الآية: 151]. وظلت مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم قوية بمنهجها حتى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها نتعلم منها ما لم نكن نعلمه، وما أحوج أبناءنا اليوم إلى أن يشبوا بين جدران هذه المدرسة.
مهنة التدريس:
مهنة التدريس هي مهنة الأنبياء والمرسلين، فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأعراف/ الآية: 62]. وهذا هود عليه السلام يقول لقومه: ﴿ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ [سورة الأعراف/ الآية: 68].
وهذا معلم البشرية يوضح لنا المنهج الذي كلف به فيقول محمد صلى الله عليه وسلم: « كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم ولا تزيع به الأهواء ولا تنقضي عجائبه » (رواه الترمذي) كما أن أسس رسالات الرسل ومبادئ دعوتهم واحدة، ودعوا جميعاً إلى عقيدة التوحيد والعبادة يقول الحق: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [سورة النحل/ الآية: 36]، وإن كنا نرى اليوم بعض اختلافات في المعتقدات بين اتباع رسالات سماوية صحيحة الأصل، فيرجع ذلك إلى التحريف والتبديل الذي دخل إلى مبادئ الديانات الأخرى.
ولهذا عندما نزل المنهج الإسلامي الشامل على محمد صلى الله عليه وسلم تعهد الله بحفظه من التبديل والتغيير ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [سورة الحجر/ الآية: 9]. فبقوة عناصر المنهج بقي أربعة عشر قرناً وسيبقى بمشيئة الله إلى يوم يبعثون. فهذا المنهج معجزة الله الخالدة لكافة العهود والأجيال على الأرض.
ولهذا وجب على من يتعهد بحمل أمانة هذه المهنة أن يتخذ من الرسل والأنبياء نموذجا يقتدي به للاعتبارات التالية:
1- تنفيذا لأوامر الله -سبحانه وتعالى.
2- عدم التخبط بين الاتجاهات المختلفة قديماً وحديثاً تبعاً لاختلاف الاتجاهات الفكرية والفلسفية والاجتماعية في كل مجتمع. فكل ما جاء به السابقون والحاليون ويأتي به القادمون في عالم التربية لم ولن يأتوا بجديد ولا بأفضل مما جاء به المنهج الإسلامي والأنبياء والرسل حول أسس هذه المهنة والذي يصلح لكل مكان وزمان.
3- ضمان تحقيق الأهداف من هذه المهنة في ظل منهج قوي وشامل وواضح ودقيق.
4- ضمان تحقيق المجتمع الإسلامي الفاضل.
5- العمل بهذه المهنة دون خوف سوى الله وتوجيه القول والفعل لله دون خضوع وذلة لغيره.
6- تربية أبنائنا بعيداً عن الفسق والكذب والنفاق عندما يؤمن معلمهم بأن الله يراه في أقواله وأفعاله.
7- السعي لإزالة السلوكيات غير المرغوبة أكثر من السعي لإزالة الأمية أياً كانت أبجدية أو علمية أو ثقافية.
8- التركيز على التربية أكثر من التعليم.
9- الخضوع والانقياد لمنهج ثابت وصراط مستقيم ألا وهو العبادة ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [سورة الذاريات/ الآية: 56].
10- الشعور بالثقة والصفاء الروحي حينما يحاول المعلم حمل هذه الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها.
المهنة:
تتكون مهنة التدريس من مقطعين: المهنة التي تشير إلى مجموعة من السلوكيات التي يتضمنها عمل ما للفرد مثل مهنة الطب أو مهنة التجارة أو غير ذلك من المهن، ولكن عندما يرتبط مصطلح مهنة بمصطلح التدريس، يصبغ بصبغة أعم وأشمل ويكون أكبر من مجموع السلوكيات التي تتضمنها أي مهنة أخرى، ويكون أكبر من مصطلح وظيفة أو عمل أو إجراء روتيني، والخطأ في أي مهنة غير مهنة التدريس يكون محدودا، وسهل احتواؤه والسيطرة عليه، أما الخطأ في مهنة التدريس سيكون جماعيا وتصعب السيطرة عليه، بمعنى أن عائد هذه المهنة جماعي قبل أن يكون فرديا كما أنه يؤثر على المجتمع ككل، وقد أطلق البعض عليها أم المهن. فهي تتسم بشمولها ومسئوليتها عن تنمية الجوانب العقلية والجسمية والانفعالية للفرد بما يتفق وصالح المجتمع الإسلامي، أي بناء أفراد صالحين يسعون للخير والرفعة للمجتمع، يتحلون بالفضيلة ويتخلون عن الرذيلة، حتى يقتربوا من الإنسان الكامل وبالتالي تأسيس أمة إسلامية كريمة مؤمنة، وهذا لأن جوهر الإيمان بالله عند القيام بهذه المهنة، يمنح النفس القوة الصادقة، والسعي الطيب الإيجابي لمجابهة كل ما في الحياة من صعاب. إن المعلم المؤمن بأهمية هذه المهنة والمؤمن بمنهج الله يجب أن يلتزم دوما بإقامة أركان الإسلام الحنيف ويمارس الحياة بالصدق والإخلاص في القول والعمل داخل الفصل وخارجه ، ويتصف بعزة النفس ولا يذل لأحد لأنه لا يلجأ إلا لله تعالى. ومن يتخذ الرسل والأنبياء له قدوة في مهنة التدريس سيشعر بالاطمئنان والرضا بما يرزقه الله من هذه المهنة، وسيلتزم بالعدل والقسط. سيكون هذا المعلم خليفة حقاً لله في الأرض وقدوة طيبة لتلاميذه ولبنة متينة ثابتة في بناء أمة مترابطة مؤمنة من أفضل الأمم كما وصفها الله -عز وجل: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [سورة آل عمران/ الآية : 110].
التدريس:
أما مصطلح تدريس فيشير إلى العملية المركبة التي تؤدي إلى تعلم فعال أو أنه إجراءات معينة تمثل إحدى سلوكيات المدرس، بمعنى أن سلوك المدرس يتضمن سلوك التدريس ( ) وسلوك التدريس باعتباره جزءا من سلوك المدرس العام هو كل ما يصدر من المعلم من أقوال وأفعال داخل البيئة الصفية بهدف تعديل سلوك المتعلمين، هذه الأقوال والأفعال طالما أنها صادرة من إنسان مسلم، وجب أن تكون خاضعة ومنقادة لمنهج الله الثابت، والخضوع هنا لا يعني إذلالا بقدر ما يعني عزة وقوة لأنه خضوع للعادل، للحق، للصراط المستقيم، وهذا هو معنى كلمة إنسان مسلم أي أن المعلم يلقي زمام أقواله وأفعاله إلى من يثق أنه حكيم وقادر على كل شيء، لا يستطيع أحد أن ينازعه، والاستسلام والخضوع للرب الأعلى يجعله مطمئنا لأنه يتصرف لك. هذا هو سلوك التدريس وما ينبغي أن يكون عليه، أما سلوك المعلم عامة وما يتضمن من سلوكيات أخرى ضرورية لمهنة التدريس سيتم تناوله في الصفحات القادمة في إطار أخلاقيات المهنة وسمات المعلم كما جاء بالمنهج الثابت.
مهنة التدريس في ضوء المنهج الإسلامي:
حين تنمو مهنة التدريس في أحضان الإسلام، فإنها تبلغ ذروة قوتها ومنتهى سلامتها، فالإسلام محيط شامل، تستوعب أحكامه وتعاليمه مهنة التدريس وغيرها من المهن، وكل خطوة نخطوها في هذه المهنة مباركة بأمر الله إذا اتصلت بهذا المنهج، فليس هناك اختلاف في أن هذه المهنة جزء من دنيا المسلم بل جزء هام وأساسي كما سبق الإشارة إليه، وطالما من دنيا المسلمين فعليها أن تتسم بمبادئ وقيم وأخلاقيات الإسلام ، حتى نرى التوازن بين الدين والحياة عند القائمين بهذه المهنة في تعليمهم وتربيتهم، في تعظيمهم لدور العقل أو إيمانهم بقيمة الفكر في تقديرهم للعلم أو رؤيتهم للعمل، وكل ذلك يتطلب جهدا لتحقيقه، وهناك اتفاق تام على أن من يعمل بهذه المهنة يجب أن يكون عمله لله وأن الله سيعاقب الذين لا يقصدون فيها وجه الله، وقد حذر الله -سبحانه وتعالى- من يخرج عن منهجه في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ [سورة طه/ الآيات: 124- 126] والضنك هنا هو أن يجد الإنسان من واقع الحياة ما لا يستطيع أن يدفعه عن نفسه بقوته أو ماله أو غير ذلك. فالذين يعملون بهذه المهنة ويتمسكون بمنهج الله يضمنون السلامة وتصغر أمامهم كل مشاكل الحياة.
كما أمرنا الله -سبحانه وتعالى- أن يكون تعليمنا ودراستنا لله رب العالمين لا للارتزاق، ونيل الوظيفة فقط، فقال المولى -عز وجل-: ﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [سورة آل عمران/ الآية: 79] كذلك يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [سورة البقرة/ الآية: 159]. وهذا الحكم شامل لكل من كتم علماً فرض الله بيانه للناس، كما حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: « من علم علماً فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار » (رواه أبو داود والترمذي). وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: « من تعلم علماً لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار » (صحيح الترمذي). ثم أظهر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من يقوم بتعليم أخ له علماً تعلمه يعد أفضل صدقة، « أفضل الصدقة: أن يتعلم المرء المسلم علماً ثم يعلمه أخاه المسلم » (رواه ابن ماجة بإسناد جيد).
أيضًا يقول صلى الله عليه وسلم: « نضر الله امرءا سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع » (رواه أبو داود والترمذي). ونضر هنا تعني الدعاء له بالنعمة والبهجة والحسن. كذلك حرم الإسلام طلب العلم لأغراض غير أخلاقية مثل التكبر والتعالي على الآخرين، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء أو لتباروا به السفهاء، ولا لتحدثوا به في المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار » (المستدرك على الصحيحين في الحديث).
من العرض السابق نجد أن من يعمل بهذه المهنة يجب أن يكون عمله لوجه الله تعالى، ويستمد أهدافه من وحي عقيدته وإيمانه، من المنهج الحق الثابت ولتكن غايته من عمله ليس تكبرا أو نفاقا أو تباريا أو ارتزاقا ونيل وظيفة فقط بل يجب أن تكون غايته أخلاقية مستمدة من القرآن والسنة الشريفة، ومن يرغب العمل بهذه المهنة يجب أن يعد العدة لذلك من الآن، فهذا مقصد الحديث في هذا الفصل الذي يتصدر كتاباً وجه أساسا لكل معلم مبتدئ أو طلاب التربية الميدانية وهم يطرقون أبواب هذه المهنة، فعليهم ترسيخ دعائم الإسلام في نفوسهم والتحلي بأخلاق معلم البشرية جمعاء، ليكونوا أهلاً لهذه المهنة ويتحملون أمانة حملها كما نظمها الخالق وتناولها محمد صلى الله عليه وسلم عندئذ سينال كل من يحملها ثوابه الكبير من الخالق -سبحانه وتعالى-، ومن المخلوق المسئول عنها ولا ينسى من يعمل بها أنها عبادة من العبادات بل هي خير من العبادة، قال المعلم الأعظم صلى الله عليه وسلم: « فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع » (رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن). وقال أيضًا: « فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم » ثم قال: « إن الملائكة وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير » (رواه الترمذي) والخير هنا هو أي تغير أو تعديل في سلوكيات المتعلمين إلى الأفضل في ضوء القرآن والسنة.
مهنة التدريس بين منهج الخالق ومنهج المخلوق:
للوقوف على الفرق بين التشريع الإلهي والتشريع الوضعي حول مهنة التدريس لابد أن نفهم الحقيقة بين ما يخضع للقانون الإلهي في إصلاح الأخلاق والسلوك وما يخضع للقانون الأرضي في ذلك. فالقانون الأرضي يخضع للعقل، والعقل يخطئ ويصيب، بينما القانون الإلهي يعتمد على الوحي والوحي لا يخطئ لأنه معصوم. لفهم هذا الفرق يجب أيضًا أن نفرق أولاً بين التعقل والتصور فكلنا ندرك تماماً بالعقل أن الله موجود، حقيقة تظهر في كل شيء حولنا، وقد أكرمنا بمنهج شامل بالعقل أن الله موجود، حقيقة تظهر في كل شيء حولنا، وقد أكرمنا بمنهج شامل منظم لهذه المهنة ولا جدال فيه، أما التصور فهو من البشر حول أسس وتنظيمات هذه المهنة، وطالما هو من البشر فهو قابل للتبديل والتغيير، لأن الإنسان الذي يضع القانون أو القاعدة قد يضعه ويصححه بما يخدم هواه وفكره واتجاهات بلده، فالذي يرغب أن ينشئ جيلاً ماركسيا مثلاً، وضع قواعد وأسس المجال التعليمي بما يخدم الماركسية… وهكذا، أي أن القوانين الوضعية ليست ثابتة ثباتا مطلقاً بل نسبياً، أما القوانين الإلهية فثباتها مطلق وواضح ومتعقل .
بالإضافة إلى أن التكليف صدر من الله -سبحانه وتعالى- بتوضيح وتفسير جلي، أما ما اعتمد في مهنة التدريس من أسس اعتمدت أولاً وأخيراً على آراء بشرية من خلق الله، فكيف تأتي بما هو أفضل من الصانع والخالق الأعظم لأصحاب هذه الآراء البشرية، كيف وقد اعتمدت على استطلاعات آراء العامة والخاصة قبل تقنين هذه الأسس التربوية. ومن طبيعة الرأي الإنساني أنه يتأثر بالعواطف والنزعات والميول والعوامل المحيطة به حتى نجد أن مسلمات العلم، تكون قابلة للتغيير أحيانًا بل أيضًا القوانين والنظريات، وذلك ببساطة لأن الإنسان تتغير آراؤه وأفكاره في ضوء الاتجاهات السائدة في مجتمعه، وإن تغيرت أفكاره وآراؤه تبدلت مقاييس الخير والشر والجائز والمحظور في هذه المهنة، فليس هناك مقنن من غير البشر، ليس لديه منهج ثابت أو طريق مستقيم وواضح، وبالتالي لا نستطيع أن نقنن مقياسا ثابتاً للأخلاق الفاضلة التي نتوخاها في أبنائنا في ظل هذه المهنة، ويتحكم فيها الطبائع الإنسانية والتيارات السائدة في مجتمع ما. أما التشريع الإلهي وما أتى به الإسلام ، قد حل هذه القضية ، ورسم حدود الأخلاق والسلوك ونظام العمل والعلاقة بين أفراد المهنة، وطالب الجميع قبل كل شيء بالإيمان بالله تعالى وبرسوله الكريم وبكتبه، ثم الخضوع لمنهجه الثابت. وقبول المعلم لهذه الدعوة أو رفضه لها يتوقف على رغبته ورضاه فهو مخير في ذلك ، ولكن متى آمن بها ، بطل كل قانون وضعي بعد ذلك، وأصبح ما آمن به واجب التنفيذ والخضوع لأحكامه ، فلم يترك الإسلام صغيرة ولا كبيرة في إطار هذه المهنة إلا عالجها ويكفي المنهج الإسلامي فخرا أن خصوم الإسلام شهدوا به واعترفوا بحيويته وصلاحه لكل مكان وزمان فهذه شهادة أحدهم، وإن كان الإسلام لا يحتاج إلى شهادة منهم، فهو قوي بمنهجه وكيانه -وهو المفكر الإنجليزي المشهور « برنارد شو » عندما قال: « لقد كان دين محمد موضع تقدير سام لما ينطوي عليه من حيوية مدهشة، وإنه الدين الوحيد الذي له ملكة الهضم لأطوار الحياة المختلفة، وأرى واجباً أن يدعى محمد منقذ الإنسانية، وأن رجلاً كشاكلته إذا تولى زعامة العالم الأحاديث لنجح في حل مشكلاته » هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ومدرسته التي صنعت رجالا ولم تلقن نصوصا، المدرسة التي حولت النصوص القرآنية والأفكار المجردة إلى سلوكيات طيبة، ورجال حملوا الأمانة حتى يومنا هذا، تضمنت هذه المدرسة كل ما يضمن الخلود للمدرسة الناجحة من محتوى تعلم وطرق وأساليب تعليم ووسائل وأنشطة تعليمية ووسائل تقويم.
وهكذا نجد أنه بالرغم من تعدد النظريات التربوية قديماً وحديثاً حول مهنة التدريس، إلا أنها ضعيفة أو لا تصلح إلى جانب القرآن الكريم ، لأنها من صنع البشر ورب البشر أدرى بنفعهم جميعاً، أما القرآن الكريم فهو الكتاب الوحيد الذي حفظه الله على مدى التاريخ والذي لا مبدل لكلماته، ويزداد مع الزمن تألقا في ما يكشف العلماء من أسرار تكون إشارات رائدة لعلوم أبعد مدى. فهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وصدق الله العظيم في قوله: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [سورة النساء/ الآية: 82].
وبالرغم من ذلك، ما زال هناك العديد من أبناء أمتنا الإسلامية مبهورين بما يقذفه الآخرون لنا من نظريات تربوية سواء كانوا في الشرق أو في الغرب ، هذه النظريات والآراء حول مهنة التدريس لم ولن تأتي بجديد إلا في شيء واحد وهو إثبات أنه ما زال البعض منا عاجزا عن استنباط النظريات التربوية من القرآن والسنة أو عاجزا عن جعل الأفكار المجردة والنصوص الشريفة سلوكا ملحوظا بين جدران مدارسنا. والجدير بالذكر أن كل من يطرق باب مهنة التدريس أو يعمل فيها مهما توفر له من العقل والعلم الواسع لا يمكنه التخلص من الهوى والذاتية ما لم يكن مطيعا للقانون الرباني ومتمتعا بقوة الإيمان بالله. وثمة شيء آخر أن بعث الحاسة الخلقية للمعلم ويقظة ضميره المحاسب، وتزويده بالقوة التي يتغلب بها على النفس الأمارة بالسوء أثناء عمله، ليست في مقدور العلم ولا في طوق المعلم، بل في طوق الدين، في طوق الإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه، في طوق العقيدة الراسخة التي تخلق الإنسان خلقا جديداً وتهديه صراطا مستقيما. وليعلم كل معلم أن مهمته لم تنحصر في التعليم فقط بل في التربية قبل التعليم، مهمته أن يعود تلاميذه على الصدق في القول والعمل، ويحببهم في العبادة ، يهذب أخلاقهم في الكثير من الأمور عند التعرض لها لا يقتصر على سقيهم المعارف فقط. ثم يتركهم كالأنعام السائمة لا تميز بين حلال وحرام، لابد من غرس حب الله ورسوله ومراقبة الله في قلوبهم، فكل معرفة تنمو بعيداً عن التأثير الديني فهي قليلة النفع، وللدين على القلوب سيطرة وسلطان ليس لغيره مثلهما، والتركيز على التعليم فقط بعيداً عن التربية الإسلامية، يجعل أبناءنا عرضة للضلال والفساد وسوء الأخلاق، ويتذكر كل معلم قول معلمنا الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم: « إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته » (رواه ابن حبان في صحيحه).
أخلاقيات مهنة التدريس:
جاء المعلم الأكبر محمد صلى الله عليه وسلم ليتم مكارم الأخلاق، وحين امتدحه ربه -عز وجل- اختار أفضل الصفات ليثني عليه بها فقال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة القلم/ الآية: 4] وأقرب الناس مجلساً من الرسول يوم القيامة أحسنهم أخلاقا والخلق الحسن أيضًا علامة على كمال الإيمان، والمسلم الحق من سلم المسلمون من لسانه ويده أي من أقواله وأفعاله، هذه قيمة الأخلاق في نظر الإسلام فالأخلاق السامية تعني الصدق والأمانة والنزاهة والقوة والعفة والعطاء وحسن المعاملة، وهذا ما اتسم به معلم البشرية من جود وشجاعة وحياء وحسن عشرة وعظيم أدب وحسن عهد، وصلة رحم، وعدل وتواضع وبسط خلق.
والمدرسة الفاضلة هي المدرسة التي تسودها الأخلاق، يتعارف أبناؤها فلا يتناكرون ويتحابون ولا يتباغضون، يتعاملون فيما بينهم بالمودة والعدل والرحمة، فلا يبغي بعضهم على بعض ولا يقسو بعضهم على بعض وهذا لن يأتي إلا إذا كانت العقيدة راسخة والإيمان عميقا مسيطرا على قيادة هذه المدرسة من المدير إلى الطالب المستجد فيها.
الإيمان والأخلاق:
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المؤمنين أكمل إيماناً، فقال أحسنهم أخلاقا، والإيمان بشريعة الخالق والالتزام بها هو الذي يحدد للمعلم سلوكه في مهنة التدريس كما أن العلاقة قوية جدًّا بين الإيمان والصدق والوفاء والأمانة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان » ويبدو جلياً من القرآن الكريم والسنة المطهرة أن معنى الإيمان بالله تعالى ، أن يكون المؤمن ذا خلق محمود. أي أن الأخلاق السيئة في معلم ما دليل على عدم وجود الإيمان لديه.
العبادات والأخلاق:
كذلك هناك علاقة قوية بين الأخلاق والعبادات لأن العبادات هدفها وغايتها السمو الخلقي بالمسلم، وأهم عبادة شرعها الإسلام هي الصلاة لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي فيقول الله تعالى في حديثه القدسي: « إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي، ولم يستطل بها على خلقي، ولم يبت مصراً على معصيتي، وقطع نهاره في ذكري، ورحم المسكين وابن السبيل والأرملة ورحم المصاب، ذلك نوره كنور الشمس، أكلأه بعزتي، واستحفظه بملائكتي، أجعل له في الظلمة نورًا وفي الجهالة حلما، ومثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة » هكذا يتقبل الله الصلاة ممن أثمرت فيه تواضعا ورحمة وخلقا وطيبا. وعندما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المعلم القدوة لنا جميعاً في هذه المهنة، قالت: « كان خلقه القرآن » لهذا نجد أن التزام المعلم بالعبادات مثل الصلاة في مسجد المدرسة أو الصيام.. إلخ يعد أحد أخلاقيات مهنة التدريس، وعلى كل معلم أن يدرك تماماً أن الانتماء لهذه المهنة والقيام بها على أكمل وجه، ليس بالعمل اليسير وطريقها ليس مفروشا بالورود، فهي ليست وظيفة فقط وليست حرفة تحتاج لمهارات معينة، بل هي تكليف بأحد فرائض الله الكفائية ومن يعمل فيها وجب عليه الالتزام بشروطها وأخلاقياتها، أشار البعض إلى هذه الأخلاق على النحو التالي:
أولاً: التعليم رسالة ومهنة ذات قداسة خاصة ويجب على المعلمين أداء حق الانتماء لها والإخلاص في العمل والإيمان بأهميتها والمحافظة على شروطها وأن تكون علاقة المعلم بطلابه علاقة الأب بأبنائه.
ثانيًا: أن يكون المعلم قدوة طيبة لطلابه وللمجتمع عامة متمسكا بالأخلاق الحميدة والقيم والمثل العليا وبذل الجهد في حدود ما أمرنا الله به، وكذلك أن يكون عادلا في معاملاته مع طلابه ويرسخ مواطن التعاون والتكامل بينهم.
ثالثًا: أن يكون قدوة طيبة للمجتمع المحيط به، ويقوم فيه بدور المرشد والموجه ويكون صاحب فكر ورأي وموقف من قضايا المجتمع ومشكلاته ويتطلب ذلك منه الثقافة العامة والخبرة الواسعة.
رابعًا: التزود بالمعرفة وتطورها في تخصصه والمساهمة في الأنشطة الحسنة.
خامسًا: الثقة المتبادلة بينه وبين زملائه ثم بينه وبين المنزل.
سادسًا: أن يؤدي عمله بروح العابد الخاشع.
والأخلاق هي العلم الوحيد الذي يمكن أن يحقق لجميع العاملين بهذه المهنة السعادة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « من سعادة المرء حسن الخلق ومن شقاؤته سوء الخلق » (على هامش مسند الإمام أحمد) ولا يتسع المجال هنا لتناول موضوع الأخلاق عامة وأثرها على الفرد والمجتمع وجوانبها، وآثارها اجتماعيًّا ونفسيًا وصحيًا ولكن في ضوء ما جاء به القرآن والسنة الشريفة، واجتهادات العاملين بالمجال التربوي ووجوب التأسي برسول الله وأصحابه يمكن تحديد أخلاقيات مهنة التدريس على النحو التالي:
1- الأمانة:
وهي الأمانة في العمل داخل الفصول وخارجها، الأمانة في القيام بالواجبات الإدارية والتعليمية فمن المفروض أن أولياء الأمور قد تركوا أبناءهم في أيدي أمينة، فلا بد من حفظ هذه الأمانة.
يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾ [سورة النساء / الآية: 58] والأمانة في مهنة التدريس هنا تعني أي أمر مرتبط بالمعلم لصالح المتعلم ومن جانب آخر أي أمر مرتبط بالمعلم لصالح المؤسسة التعليمية ككل بل والنظام عامة بمعنى أن الأمانة في مجال المهنة تتعدد صورها وليس على المعلم إلا حفظ هذه الصورة المختلفة من الأمانات، وعلى أن يكون أداؤه وعلاقاته المهنية قائمة على العدل، فيقول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [سورة النساء / الآية: 58].
2- الحكمة:
والحكمة، هي وضع الأمور في نصابها، وفي مكانها الصحيح ومخاطبة كل إنسان على قدر عقله ومستواه، وهذه من المبادئ التربوية التي تنادي به النظريات الحديثة، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم » بهذا يستطيع المعلم أن يراعي الفروق الفردية بين الطلاب، فالحكمة مطلوبة من القائمين على هذه المهنة في تعاملهم مع الطلاب وتعاملهم مع بعضهم ومع رؤسائهم فعند معاملة المعلم مع طلابه داخل البيئة الصفية مثلاً يجب أن يقلل من إلقائه للمعلومات ويتناول طرقا أخرى أكثر فاعلية مثل المناقشة أو الاستقصاء أو الأنشطة التي تجعل من المعلم عنصرا فعالا مشاركاً لا مستمعا فقط فقد يكون كثرة الكلام والإلقاء من جانب المعلم سبباً في ملل التلاميذ وشرود تفكيرهم، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا ».
3- إخلاص النية:
وهو إخلاص القصد في كل ما يقال ويحدث من المعلم لوجه الله تعالى، فلا يقبل الله -سبحانه وتعالى- ، من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وحسن النية هنا هو التقرب إلى الله بالعمل والبعد عن الأغراض الدنيوية الأخرى مثل العمل بجد في أوقات معينة للتقرب إلى مدير المدرسة مثلاً أو لموجه المادة أو لنيل سمعة طيبة من زملائه أو طلابه، أو الارتفاع في أعين الناس وغير ذلك فإن عمله هذا مشوب بالرياء ويؤدي إلى النار.
فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « من طلب العلم ليباهي به العلماء ، ويمارس به السفهاء أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار » (رواه ابن ماجة) فالإخلاص لوجه الله من كل العاملين في هذه المهنة حتى لو تعارض مع البعض سيكون جزاه الرضا الكامل من الله ثم رضا هؤلاء البعض عليه، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه وأسخط عليه من أرضاه في سخطه ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى من أسخطه في رضاه، حتى يزينه، ويزين قوله، وعمله » (رواه الطبراني). ويقول الله تعالى: ﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [سورة التوبة/ الآية: 13].
4- المظهر العام:
من أخلاقيات مهنة التدريس المظهر العام للعاملين فيها. يجب أن يتسم كل فرد سواء كان معلماً مسئولا أو عاملاً، بالوقار والسكينة والخشية، والثياب النظيفة الملائمة للمواقف المتنوعة، مظهره يدل على رباط الجأش وذوق في ملابسه، يعطي انطباعا بأنه مهذب، ويتجنب العبث وكثرة الضحك والقهقهة في المجالس خارج وداخل المدرسة، فالله جميل يحب الجمال وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يترك المسلم قص شاربه أو تقليم أظافره أو حلق عانته أو نتف إبطه أكثر من أربعين ليلة. في هذه البيئة الطيبة تنمو الأخلاق الفاضلة بين أبنائنا في المدارس.
5- الاتزان الداخلي:
ليس كافيا المظهر الخارجي للعاملين بهذه المهنة، بل يجب على كل فرد أن يتطهر من داخله من خبائث الأخلاق، ويتسم بالاتزان الانفعالي تجاه أي موقف يواجهه مع طلابه أو زملائه، فمثلاً لا يشعر بالإحباط من نقد الآخرين له سواء كان مديرا أو موجهاً أو طالبا ولا يكون سهلاً في إثارته ومضايقته، ولا يخجل من المواقف المفاجئة ويبدو عليه الارتباط ويجب عليه أن يتكيف مع المواقف التعليمية الطارئة ويواجهها بثبات، ويبتعد عن الغضب والحقد والفسق والشهوة، في هذه الحالة ستنفذ أقواله وأفعاله إلى قلوب طلابه، وتظهر آثاره الحميدة لأن مهنة التدريس تقوم على طهارة القلب، ونقاء النفس، وخضوع الجوارح للمنهج الثابت لكل من يعمل بها.
6- القدوة الطيبة:
يجب على من يعمل بمهنة التدريس أن يكون مثلاً أعلى للمتعلمين، وكل ما يقوله أو يفعله هو محصلة خبراته السابقة من معلوماته ومهارات واتجاهات فيجب على المعلم أن تتفق سلوكياته مع أخلاق الإسلام، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة ولن تجد طاعة حقيقية من طلابك إذا وقفت بينهم بجسدك فقط تملي عليهم المعرفة. ويقول الله: ﴿ ولَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [سورة الكهف/ الآية: 28] وسوف ينظر الطالب إلى معلمه ويتساءل هل هو من أهل الذكر أم من أهل الهوى، فإن كنت من الطائفة الأولى سيتبعك الطلاب عن صدق ورغبة، وتحقق الأهداف التربوية بسهولة ويسر أما إن كنت من الطائفة الثانية فستكون واقفاً بينهم بجسدك فقط، ومن الأفضل أن تفسح المجال لغيرك والقدوة هنا كثيرة مثل:
– قدوة العبادة.
– قدوة الأخلاق الفاضلة.
– قدوة الكرم.
– قدوة الزهد.
– قدوة التواضع.
– قدوة الحلم.
– قدوة العفو.
– قدوة الحكمة.
– قدوة الشجاعة.
– قدوة المحافظة على الصحة والانفعال.
– قدوة الصبر.
– قدوة الرحمة.
– قدوة حسن السياسة.
هذا وقد أعطى الرسول الكريم النماذج العديدة للصحابة ونبههم بإعطاء القدوة.
7- الحلم:
– وهو التحلي بالعفو والصبر على بعض سلوكيات الطلاب غير المرغوبة، فهذا أبقى لمودة وحب هؤلاء الطلاب، يقول الله: ﴿لَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [سورة آل عمران/ الآية: 159] وقال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [سورة النحل / الآية: 125] فاستخدام اللين والمعاملة الطيبة والصف الجميل هو أفضل رد لبعض السلوكيات غير المرغوبة في البيئة التعليمية، كم قال تعالى: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [سورة الحجر / الآية: 85].
8- التمكن من المادة العلمية:
تنتهي مهمة كليات إعداد المعلمين في الإعداد التخصصي والثقافي والمهني بمجرد تخرج المعلم منها، ولكن ليس ذلك نهاية المطاف لمزيد من العلوم والمعارف لهذا المعلم، بل على كل معلم وهو في بداية عمله المهني بالتدريس البث عن مزيد من المعرفة في إطار تخصصه بل وفي كل الفروع المرتبطة به، بجانب اتباع أسس ومهارات البحث والتنقيب التي تعلمها أثناء دراسته بالكلية مثل جمع البيانات الخاصة بموضوع أو قضية معينة، ويمكنه تكوين نواة لمكتبة علمية ثقافية صغيرة في منزله، ومتابعة كل جديد يكتب في مجال تخصصه وحضور الندوات والمؤتمرات التربوية إن أمكن بل والمشاركة فيها بدراسات في مادة تخصصه ومناقشتها، هكذا يستطيع أن ينمي معارفه ولا يتردد أو يخجل إطلاقاً في الاتصال بأساتذته بالكلية في أي وقت بعد تخرجه، للاستفسار أو المناقشة أو تطويع وتطبيق بعض المفاهيم النظرية التي درسها بالكلية في الواقع التربوي الذي يعيشه في المدارس. يقول الله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [سورة الأنبياء / الآية: 7] أي أهل التخصص والمعرفة في كل ميدان عملي.
9- حب مهنة التدريس:
لا شك أن نجاح الفرد في عمل ما يفرضه بالدرجة الأولى حبه واحترامه لهذا العمل، وهناك العديد ممن التحق بكليات التربية أو المعلمين مصادفة أو دون رغبة حقيقية منهم، أو نظراً لعوامل خارجة عن إرادتهم، ونظر كل منهم إلى مهنة التدريس كوظيفة فقط للارتزاق وكسب العيش أو كشهادة قد تضيف إلى مكانته الاجتماعية شيئاً. هكذا حصر المهنة في إطار ضيق، لا تليق بأم المهن ولهذا أخذت كليات التربية والمعلمين في اعتبارها أن تنمي اتجاهات أبنائها نحو حب المهنة واحترامها، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وركز أساتذة الكليات مناهجها نحو تحقيق هذا الهدف. وبالرغم من هذه المحاولات الجادة في هذا المجال إلا أن البون مازال شاسعا بين النظرية والتطبيق. وعلى هذه الكليات بإمكاناتها من تكثيف جهودها نحو تعديل اتجاهات هؤلاء الطلاب نحو حب هذه المهنة بأسلوب أو بآخر، وعلى الطالب المعلم أن يتساءل مع نفسه:
– هل هو أهل لهذه المهنة بحلوها ومشاقها؟
– هل يتحلى بأخلاقيات هذه المهنة؟
– هل يستطيع أن يكون موضع ثقة واحترام من الآخرين؟
– هل يدعو إلى التعاون والاحترام دائماً في العلاقات الاجتماعية؟
– هل تتوافر فيه سمات القائد الناجح؟
– هل لديه قدرة على الإقناع بالحكمة والموعظة الحسنة؟
– هل يتحمل المسئولية في المواقف المختلفة؟
– هل يظهر دائماً قدرة على التخطيط والتنفيذ الجيد؟
– هل يتعاطف مع مشاكل الآخرين؟
– هل يحافظ على مظهره نظيفاً دائماً؟
– هل هو متزن نفسياً؟
تساؤلات عديدة يجب أن يواجهها كل من يطرق باب هذه المهنة، لأنها مهنة المعلم الأكبر صلى الله عليه وسلم، مهنة العدل والحكمة والصبر والثقة والتحدي، والصحة والحيوية، والعقل والجسد… إلخ.
10- جزء من الإعداد الثقافي للمعلم يقع على عاتق كليته قبل تخرجه، في صورة مقررات تربوية وعلم نفس واجتماع وتاريخ وأخلاق وحضارة أمم، وملاحقة أحدث النظريات التربوية الحديثة.. إلخ، وحتى لا يكون المعلم بعد ذلك بعيداً عن كل هذا عليه بكثرة الإطلاع والتنقيب، وأن يحاول قراءة القرآن الكريم وتفسيره وسيرة محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته، فثقافة محمد صلى الله عليه وسلم تتجلى في قوله: « أدبني ربي فأحسن تأديبي » وقال الله تعالى عنه: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيزَكِّيهِمْ وَيعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ [سورة الجمعة / الآية: 2] وهذا يأخذنا إلى معنى آخر تماماً عن الثقافة، ولا يحصر هذا المعنى في الإلمام بكم كبير من المعلومات فقط بل يؤكد أن الثقافة الحقة هي قوة الإيمان والعقيدة الراسخة والمعلم المثقف هو من يوظف ما يمتلكه من معلومات في تعديل سلوكه وسلوك الآخرين من حوله (الطلاب وغيرهم) أما الإنسان الذي يتباهى بمعرفة كم هائل من المعرفة أو إحراز أعلى الشهادات وترافقه سلوكيات غير مرغوبة فلا يتعدى كونه دارسا وليس مثقفا.
11- عفة النفس:
إن سماحة المعلم دليل على خلقه، وخلق المعلم الناجح تظهر في علاقاته بتلاميذه، ومراقبة ربه سراً وعلانية في القول والفعل ، داخل المدرسة وخارجها، والإسلام منذ ظهوره يحاول بتعاليمه السامية أن ينتزع الأنانية من النفوس كما ينتزع الكبرياء والاستعلاء وحب الذات ليغرس بذور المودة والإخاء والعفة والأمانة والعزة والنبل والوفاء والصبر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « من يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفه الله » ومن يستغن يغنه الله » فهذا ما يجب أن يكون عليه من ينتمي لمهنة التدريس، نزيها عفيفا، سخيا، أبيا، يجود بعمله ابتغاء مرضاة الله فقط وليس مرضاة موجهه أو مدير مدرسته لأن ما عند الله خير وأبقى، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ويجب أن تكون نفسه عفيفة عالية خيرة ينزع منها الحقد والضغينة، ويعود طلابه على السماحة والأمانة والتراحم والتعاون في تحصيلهم للعلم.
12- السماح بحرية التفكير:
من البدهيات حول خصائص النفس البشرية هو ارتقاؤها ووصولها إلى درجة السمو المتلائم مع الإنسان عن طريق حرية التفكير فهذي الحرية توقظ العقل باعتباره سيدا لكل ما في الكون جعله الله هكذا. ويرجع اهتمام الإسلام بالعقل لإتاحة الفرصة له لمزاولة نشاطه وتفكيره وتأمله في البيئة المحيطة به. ويجب على المعلم ألا يتحكم في قدرات الطالب العقلية بأسلوب تعسفي أو في صورة من الضغوط مثل الإكراه على فعل شيء، أو التسلط وقهره على أداء عمل ما، أو إذلاله وتجميد حركته ووجوده داخل الفصل الدراسي، فهذا ما نطلق عليه التعليم الدكتاتوري والذي فيه يكون المعلم هو كل شيء، الآمر الناهي المستبد ، والإسلام لم يدع إلى ذلك، فقد صان هذا الطالب وأعطاه حرية التفكير التي رفعت قدره كإنسان، وأطلقت عنان تفكيره ليعرف الجمال من القبح، والحق من الباطل والطيب من الخبيث، لينطلق إلى مجال أوسع، يجد فيه ذاته كإنسان، فكيف هذا المعلم يحاول قتل هذه الحرية عند طلابه أثناء عمله الصفي، ويجعله مقيداً بتقاليد باطلة وعادات سيئة في استقباله للمادة العلمية وحفظها واسترجاعها دون أدنى اعتبار لتفكيره كإنسان لذا وجب على المعلم تصميم الأنشطة الصفية واللاصفية التي تتيح الفرصة للطلاب لكي يربطوا بين الأسباب والمسببات، المقدمات والنتائج لكي يؤمنوا بقوة العلم وواقعيته وتطبيقاته، ونكبة المعلم الديكتاتوري في مهنة التدريس أنه يضع بذوره التبعية والإتكالية والتقليد الأعمى في نفوس الطلاب وهو لا يدري حتى إذا كبروا لا يحاولون التفكير فيما حولهم من مشكلات وقضايا بل ينتظرون ما يقذفه الآخرون إلينا سواء من الغرب أو من الشرق من معارف وعلوم ويتباهون بإلمامهم بها دون محاولة لاستقصائها والوصل إلى أفضل منها. في ظل حرية التفكير الصفي في المدرسة، يدرك الطلاب أن الإنسان وما معه من علوم وتقنيات لا تحقق وحدها نفعا للإنسان، بل لا بد من الوجه الآخر لهذه العلوم والتقنيات وهو طرق التفكير والبحث يقول الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾ [سورة الواقعة / الآيات: 63 – 64] في ظل حرية التفكير الصفي يحاول الطلاب ربط المعرفة التي تقدم لهم بعظمة الخالق -سبحانه وتعالى-، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته قدوة حسنة وعظة في حرية التفكر فقد كانوا على مستوى عالٍ من ذلك وأشاروا إلى أن حرية التفكير تعد عبادة لأنها تنتهي إلى العبرة والعظة، وتعطي للنفس الرؤية الحقيقية للحق والجمال والإيمان.
13- التواضع:
وهي سمة طيبة وكرم من الله، وخلق رفيع من اقترب منه وتحلى به قوم نسه وأحبه الآخرون، والتواضع الحق هو الخضوع للحق والانقياد لمنهجه الثابت والمعلم كقائد تربوي إذا تحلى بهذه السمة الطيبة سيحقق معاني كثيرة منها :
1- اللين وسهولة المعشر، ويفتح له تلاميذه قلوبهم مما يسهل عليه التوجيه والإرشاد عن إقناع ومن خلال قلوبهم لا من خلال منصبه، لأن الولاء الحقيقي للأفراد ينبع من حب الموالين له واحترامهم لآرائه.
2- سيخلق روح المشاركة والتعاون.
3- سيبتعد عن الرياء والغرور والكبرياء ويركز على الأهداف الموجودة.
4- سيعطي المهنة حقها تماماً من خلال التعامل المستمر مع طلابه، ويرى بأبصارهم ويسمع بآذانهم، ويعيش واقعهم.
14- حب مساعدة الآخرين:
من أحبه الله وأغناه في دنياه حتى أصبح قادراً على مساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم، فقد منحه الله بابا من أبواب رحمته، ويسر له سبيلاً إلى سعادته، لأن قضاء الحوائج ومساعدة الآخرين من غير معصية تكسب الأجر الجزيل من الله، والمحبة من عباد الله تعالى ومن أحبه الخلق أحبه الحق، فيقول الله تعالى: ﴿ مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [سورة البقرة / الآية: 245]، والله لا يقترض من قلة ولا حاجة ولكنه سبحانه يريد أن يفيض نعماءه على عباده بسبب عطفهم على بعض وقضاء بعضهم حاجات بعض، كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « على كل مسلم صدقة، قيل أفرأيت إن لم يجد؟ قال يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق، قال أرأيت إن لم يستطع؟ قال يعين ذا الحاجة الملهوف، قال قيل له أرأيت إن لم يستطع؟ قال يأمر بالمعروف أو الخير، قال أرأيت إن لم يفعل؟ قال يمسك عن الشرك فإنها صدقة » كما قال صلى الله عليه وسلم: « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته » والمعلم الذي يقوم بقضاء حاجات طلابه من معرفة وسلوك سوي وأخلاق حميدة وإرشاد وتوجيه يطيعه ويحبه طلابه والناس، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنين » (رواه الطبراني في الأوسط والحاكم).
سمات وواجبات المعلم في ضوء المنهج الإسلامي:
طالما نبحث عن الغاية المثلى في مهنة التدريس، فإن المعلم الناجح هو القائد الناجح الذي يعمل في ضوء المنهج الشامل الثابت وهو الإسلام. وقد تضاربت النظريات الوضعية، والآراء ووجهات النظر حول مقياس المعلم الناجح وواجباته، وهل يرجع نجاحه إلى مستواه التعليمي وما أحرزه من درجات أثناء دراسته؟ أو زيادة عدد التلاميذ المتفوقين في فصوله ؟ أو حب التلاميذ والمحيطين به له؟ هل مظهره الخارجي؟ وهل تتحكم في هذا المقياس الظروف المحيطة بالمعلم في المدرسة والمجتمع؟ عديد من الدراسات تناولت هذا الموضوع، وأكد البعض على سمات وواجبات وأكد البعض الآخر على سمات وواجبات أخرى.
قبل تناول هذه السمات كما جاء بالمنهج الحق، سيتم تناول هذه الآراء بإيجاز على النحو التالي:
أولاً: سمات المعلم كما يراها المربون العرب في العصر الحديث.
ثانيًا: سمات المعلم كما يراها المربون الأجانب.
ثالثًا: سمات المعلم كما يراها العلماء المسلمون.
أولاً: المربون العرب وسمات المعلم:
باستقراء الكتابات والدراسات العربية حول سمات وواجبات المعلم يمكن تلخيصها في النقاط التالية ( ):
– الإعداد الجيد للدرس.
– دقة المعلم.
– المظهر الحسن.
– الذكاء.
– الخلق الطيب.
– حب المهنة والاعتزاز بها.
– مراعاة الأساليب العلمية في التدريس.
– احترام شخصية التلاميذ.
– التخطيط الجيد للأنشطة.
– حل مشاكل التلاميذ.
– الاستخدام الجيد للوسائل التعليمية.
– المرونة.
– الموضوعية.
– الحماس والمرح.
– الصحة الجسمية والعقلية.
– معرفة طرق وأساليب التدريس.
– العدل.
– سعة الصدر والأفق.
– الاتزان الانفعالي.
– الابتكار والتجديد.
– الصدق.
– المرح.
– القيادة الجيدة والديمقراطية.
– التعاون.
– احترام القوانين الدراسية.
– التمكن من المحتوى الدراسي.
ثانيًا: المربون الأجانب وسمات المعلم:
ويمكن تلخيص السمات التي أشار إليها التربويون غير العرب في النقاط التالية:
– المظهر اللائق.
– القدرة على التكيف.
– اليقظة الدائمة.
– الاستقرار العاطفي.
– العدل.
– الدافعية نحو العمل.
– الإخلاص.
– الثقافة.
– عدم الأنانية.
– الدقة.
– الحزم.
– التعاطف.
– اللياقة.
– الحماس.
– الصحة الجيدة.
– النظافة الدائمة.
– الطموح والتجديد.
– محبة التلاميذ.
– المثابرة.
– القيادة والثقة بالنفس.
ثالثًا: العلماء المسلمون وسمات المعلم:
وسيتم تناول آراء عدد من علمائنا المسلمين وهم:
– محمد بن سحنون (202 – 256 هـ).
– أبو الحسن القابسي (334 – 403 هـ).
– أبو علي بن سينا (370 – 438 هـ).
وكذلك كل من بدر الدين ابن جماعة والعبدري وابن خلدون، ويمكن تلخيص آراء علماء التربية المسلمين السابق ذكرهم في صفات المعلم وواجباته على النحو التالي:
– الرحمة والشفقة.
– العدل.
– القدرة على التعليم.
– التمكن من المادة العلمية.
– الاتجاه الديني.
– الإخلاص.
– النزاهة.
– المحافظة على وقت الطالب.
– البعد عن الخبائث والرذائل.
– النصح والإرشاد والتوجيه للمتعلم.
– زجر المتعلم على سوء الأخلاق.
– القدرة الحسنة بحيث يطابق القول الفعل.
– تعودي المتعلم على الأخلاق الفاضلة.
– الصبر والتواضع وحسن الخلق.
– ترغيب المتعلم وتحفيزه على التعلم.
– استخدام وسائل الإيضاح.
– السكينة والوقار.
– اللطف.
– الشفقة مع المتعلم.
– التوجه بالعلم لله -سبحانه وتعالى.
– التمكن من المادة العلمية.
– القدوة الحسنة.
هكذا نجد أن علماء التربية المسلمين قد أشاروا إلى كل ما جاء به علماء التربية في الشرق والغرب، وفي محاولة لتصنيف سمات المعلم في القرآن والسنة الشريفة وفي ضوء ما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم منذ أربعة عشر قرناً، لكي نؤكد مرات ومرات أن الرجوع للحق فضيلة، ولن نجد لكتاب الله وسنته بديلاً سيتم تناول هذه السمات على النحو التالي:
أولاً: المظهر الخارجي:
1- نظافة الملبس:
يقول الله تعالى: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [سورة ا لمدير / الآية: 4] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « تنظفوا فإن الإسلام نظيف » (رواه ابن حبان) هذا وقد أوصى الرسول الكريم بعض أصحابه وهم قادمون من سفرهم بقوله: « فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش » (رواه أبو داود وغيره) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « الطهور شطر الإيمان » (صحيح مسلم).
2- ارتداء الملابس المناسبة لكل وقت:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [سورة الأعراف / الآية: 31] وقال محمد صلى الله عليه وسلم: « ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة غير ثوبي مهنته » (روا أبو داود). وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبس لكل حاله لبوسها، فقد وصفه أحد الصحابة بقوله: « رأيت النبي وعليه حلة حمراء وكأني أنظر إلى بريق ساقية » (الترمذي) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « لا يصلي أحدكم في الثوب ليس على عاتقه من شيء » (صحيح البخاري).
3- الذوق في اختيار ملابسه:
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة » (رواه أحمد وأبو داود والنسائي) وثياب الشهرة هو لبس الثوب الفخم بقصد التعاظم والافتخار على الناس كما قال: « من جر ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة » (رواه الشيخان). والله لا يحب كل مختال فخور فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الكبر والخيلاء في اللباس فقال رجل: يا رسول الله إني أحب أن تكون ثيابي حسنة ونعلي حسنة، قال: « إن الكبر هو بطر الحق وغمط الناس » وقد أهدى الرسول صلى الله عليه وسلم فروج حرير (وهي القباء المفتوحة من الخلف) فلبسه فصلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعا شديداً كالكاره له، وقال: لا ينبغي هذا للمتقين (مختصر البخاري).
4- أن يكون مهذبا في شخصيته:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « وخالق الناس بخلقٍ حسن » وعندما سئل من أدبه، قال: « أدبني ربي فأحسن تأديبي » (رواه مسلم) وقال الله لرسوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [سورة القلم / الآية: 4].
5- المحافظة على نظافة الثوب دائماً:
رأى الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً رث الثياب فقال: « أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه » (رواه أبو داود) يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [سورة الأعراف / الآية: 33].
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن الله تعالى جميل يحب الجمال » (رواه مسلم). وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: « كنت أطيب رسول الله بأطيب ما يجد حتى أجد وبيص » أي ترى أثر الطيب على رأسه ولحيته (مختصر البخاري).
7- طلاقة الوجه:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:
« لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق » (رواه مسلم). وقال الرسول الكريم: « تبسمك في وجه أخيك صدقة » (رواه الترمذي). والوجه الطلق هو السهل المنبسط المتهلل المبتسم.
8- الاعتدال في الشيء والحركة:
يقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ولَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [سورة لقمان / الآية: 18 – 19]. ويقول -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [سورة الإسراء / الآية: 37].
ثانيًا: المظهر الداخلي:
1- تذوق المرح والفكاهة:
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً، فقد كان يداعب صبيا له عصفور ويقول له يا أبا النغير، وفي يوم جاءته عجوز تسأله أأدخل الجنة يا رسول الله، فقال، لا يدخل الجنة عجوز، فولت تبكي فناداها وقال لها أما قرأت قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ﴾ [سورة الواقعة / الآية: 35 – 36]. كذلك عندما دخل جابر رضي الله عنه على الرسول وهو يمشي على أربعة (أي يديه ورجليه) وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول: « نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما » (رواه الطبراني).
2- مواجهة المواقف المفاجئة باتزان:
قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [سورة لقمان / الآية: 17] وعندما مر الرسول صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: « اتقي الله واصبري. فأتت باب النبي فلم تجده عنده بوابين، فقالت لم أعرفك، فقال: « إنما الصبر عند الصدمة الأولى » (مختصر البخاري).
3- الحياء وعدم الخجل:
والحياء هو الالتزام بمنهج الفضيلة وآداب الإسلام أما الخجل فهو الانكماش والانطواء والتجافي عن ملاقاة الآخرين ( ). يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن لكل دين خلقا، وخلق الإسلام الحياء » (رواه الإمام مالك) وعندما مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في طريق من طرق المدينة وأطفال هناك يلعبون، وفيهم عبد الله بن الزبير وهو طفل يلعب فهرب الأطفال هيبة من عمر ووقف ابن الزبير ساكتاً لم يهرب، فلما وصل عمر قال له لمَ لم تهرب مع الصبيان؟ فقال على الفور: لست جانيا فأفر منك، وليس في الطريق ضيق فأوسع لك. هذه هي الجرأة والسداد.
4- لا يغضب سريعاً:
يقول الله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [سورة آل عمران / الآية: 159]. ويقول الله تعالى أيضًا: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة الحجر / الآية: 88].
وعندما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني، قال: « لا تغضب، فردد مرارا، قال: لا تغضب » (أخرجه البخاري).
5- يتحكم جيداً في انفعالاته:
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ [سورة الشورى / الآية: 37] كما قال تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة آل عمران / الآية: 134] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخبره ي أي الحور العين شاء ». (رواه أبو داود).
6- هادئا وصعبا إثارته:
يقول الله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [سورة الفرقان / الآية: 63]. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « ما تعدون الصرعة فيكم؟ قالوا: الذي لا تصرعه الرجال، قال: ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب » (رواه البخاري ومسلم).
8- الاطمئنان وعدم الخوف:
قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [سورة الرعد / الآية: 28] وعندما قال أبو بكر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم وهما في الغار: لو أن بعضهم طأطأ بصره ورآنا، قال صلى الله عليه وسلم: « اسكت يا أبا بكر ، اثنان الله ثالثهما » (رواه البخاري).
9- الإيثار والموضوعية في تناول الأشياء:
يقول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ولَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الحشر / الآية: 9].
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تتجنبوا إساءتهم ».
10- القدرة على التكيف للمواقف المتغيرة:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « المؤمن كيس فطن » وعندما جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الإسلام، فجاء من الغد محموا، فقال: أقلني: فأبى ثلاث مرات، فقال: المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها » (مختصر البخاري).
ثالثًا: الصحة العامة:
1- يتسم بالجسد الصحيح والمحافظة عليه: قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ﴾ [سورة الأنفال / الآية: 60] وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف » (رواه مسلم).
2- خاليا من العاهات الجسدية والعقلية: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « فر من المجزوم فرارك من الأسد » (رواه البخاري). كما قال صلى الله عليه وسلم: « لا يوردن ممرض على مصح » (الصحيحين). وقال صلى الله عليه وسلم: « أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا » (رواه الترمذي وابن حبان).
3- يتسم بالنشاط والحيوية: يقول الرسول: « كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين (للرمي) وتأديبه فره، وملاعبته أهله، وتعليمه السباحة » (رواه الطبراني بإسناد جيد).
4- يقظ دائماً: قال تعالى: ﴿ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ﴾ [سورة الأعراف / الآية: 205] وروي عن ابن عمر (رضي الله عنهما): أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: « كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل… إلخ » (مختصر البخاري).
5- يظهر الحماس والمرح أثناء العمل: عن البراء (رضي الله عنه) قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى التراب بياض بطنه (مختصر البخاري) وقال عمر رضي الله عنه: ما من يوم يأتيني فيه الموت أحب إلي من يوم أتسوق فيه لأهلي أبيع وأشتري.
6- لديه الرغبة في العمل دائماً: قال تعالى: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [سورة التوبة / الآية: 105]. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن الله يحب العبد المحترف ويبغض العبد الصحيح الفارغ ».
رابعًا: الإرشاد والقيادة:
1- يظهر الثقة في أفعاله وأقواله: قال تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ ولَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [سورة هود / الآية: 112] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: « إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه » (رواه البيهقي).
2- لديه مقدرة على الإقناع: يقول الله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [سورة النحل / الآية: 125].
3- المرونة في المواقف المربكة: يصف سيدنا علي (رضي الله عنه) شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومرونته في المواقف الصعبة فيقول: « كنا إذا حمى الوطيس اتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب من العدو منه » ويقول المولى -عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ﴾ [سورة النساء / الآية: 71].
4- يستخدم الشدة عند اللزوم: يقول الله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [سورة الفتح / الآية: 29]. ويقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [سورة التوبة / الآية: 3].
5- حث الآخرين على العمل: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « إذا قامت القيامة وبيد أحدكم فسيلة فاستطاع ألا يقوم حتى يغرسها فله بذلك أجر » (رواه البخاري) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم أيضًا: « لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه ». (رواه البخاري).
6- القدرة على توجيه المجموعات: يقول جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا ﴾ [سورة المجادلة / الآية: 11] وفي غزوة بدر حرض الرسول صلى الله عليه وسلم القائد أصحابه على القتال فقال لهم: « قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض ».
7- التدقيق في حلول مشكلة ما واختيار أنسبها: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [سورة الحجرات / الآية: 6].
8- الفطنة وحسن وسرعة التصرف: قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [سورة الفرقان / الآية: 67]. وروي عن جبير بن مطعم (رضي الله عنه) قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت، قال صلى الله عليه وسلم: « إن لم تجديني فأتي أبا بكر رضي الله عنه ». (مختصر البخاري).
9- يقدم الاقتراحات الجيدة: روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ، فهم به أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « دعوه فإن لصاحب الحق مقاماً، ثم قال: اعطوه سناً مثل سنه قالوا يا رسول الله: لا نجد إلا الأمثل من سنه (جملا أكبر سناً من جمله) فقال: أعطوه فإن خيركم أحسنكم قضاء » (مختصر البخاري).
خامسًا: اللغة:
1- يتحدث بلغة مفهومة: يقول جل شأنه: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ [سورة النساء / الآية: 63] وقال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾ [سورة الشعراء / الآيات: 193 – 195].
2- وضوح صوته ومناسبته للمواقف المختلفة: يقول تعالى: ﴿ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [سورة لقمان / الآية: 19] ويقول تعالى: ﴿ ولَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ ولَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ [سورة الإسراء / الآية: 110].
3- خروج الكلمات صحيحة وجميلة من فمه: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « الكلمة الطيبة صدقة » (رياض الصالحين) وقال أيضًا: « إن الله تعالى يبغض الفاحش المتفحش » (رواه الإمام أحمد). وقال سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ﴾ [سورة الأعراف / الآية: 33].
4- ينتقل من السهل إلى الصعب عند تناوله موضوع ما: يظهر ذلك في تدرج تحريم الخمر حتى لا يثقل على من يتعاطاها. وعندما سأل جبريل (عليه السلام) محمداً صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان ثم الساعة، تدرج معه من السهل إلى الصعب ومن الكل إلى الجزء.
5- يجيد استخدام الوسائل اللغوية وضرب المثل والصور البلاغية للتوضيح: قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ﴾ [سورة إبراهيم / الآيات: 25 – 26] كما في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من الصور البلاغية من تشبيه واستعارة وكناية وضرب أمثلة.. إلخ مثل قول الرسول: « مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ».
سادسًا: العمل الاجتماعي:
1- التطوع لخدمة الآخرين: قال تعالى: ﴿ وَيؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الحشر / الآية: 9] وفي الحديث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: « خير الناس أنفعهم للناس ».
2- يشرك الآخرين في الأنشطة والعمل: يقول الله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [سورة المائدة / الآية: 2] وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار » (رواه الطبراني).
3- يحاول دائماً الوصول إلى الأحسن في عمله: يقول الله تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [سورة البقرة / الآية: 195] ويقول -سبحانه وتعالى- أيضًا: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سورة العنكبوت / الآية: 7].
4- يحب التعاون الجماعي: قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [سورة المائدة / الآية: 2] كما قال تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [سورة آل عمران / الآية: 103] وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا على أن يد الله مع الجماعة.
5- يشارك في العمل الإضافي الذي يوكل إليه: ويتضح ذلك في قصة ذي القرنين حين طلب منه القوم أن يبني لهم سداً عظيماً كي يمنع يأجوج ومأجوج من اختراقه. قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ﴾ [سورة الكهف/ الآيات: 94 – 95] ومن سيرة الصحابة -رضوان الله عليهم- في غزوة تبوك عندما اشتد الحر وقل المال ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم الأغنياء أن يبذلوا أموالهم في سبيل الله وقد سمى هذا الجيش جيش العسرة لما كانوا فيه من الشدة، فأعطى سيدنا عثمان وحده ألف دينار وبذل القادرون من أموالهم. وفي هذا يقول الرسول الكريم: « اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض ». وفي غزوة أحد يروي أنس (رضي الله عنه) فيقول: انهزم الناس ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سلمة تنقلان القِرَب على ظهورهما ثم تفرغان الماء في أفواه القوم.
6- متسع الاهتمامات: من أقوال عمر بن الخطاب ووصاياه: « علموا أولادكم السباحة والفروسية، ومروهم يثبوا على الخيل وثبا، ورووهم ما سار من المثل وحَسُن من الشعر ».
7- حسن الاستماع للآخرين: يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [سورة الزمر / الآية: 18] ومن السيرة: أرسلت قريش سفيرا منهم إلى الرسول كي يعرض عليه مالاً أو يجعلوه ملكاً على أن يترك الدعوة إلى الله ويتبع آلهتهم، وبدأ الرجل قائلاً للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يا محمد إن كنت تردي مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رئيا من الجن بذلنا أموالنا حتى تبرأ منه، ولما انتهى من كلامه، قال له الرسول الكريم بعد أن استمع إليه ولم يقاطعه: انتهيت من كلامك (لاحظ حسن الاستماع هنا)، قال: نعم… قال له الرسول صلى الله عليه وسلم إذن فاسمع مني وتلا عليه آيات من القرآن الكريم من أول سورة فصلت وهذا أدب عال من أدب النبوة.
8- أن يفرق بين الجد واللهو: قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ولَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [سورة القصص / الآية: 77] وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يكون في بيته مع زوجاته يحادثهن فإذا حضرت الصلاة تقول عنه أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) كأنه لا يعرفنا.
9- عطوف ومحب للآخرين: يقول الرسول الكريم: « والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا » وقد وصف أحدهم حب الصحابة للرسول فقال: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد لمحمد صلى الله عليه وسلم.