ماهية عملية التدريس
كثيرا ما تستخدم مصطلحات في مجال التربية دون إدراك الفروق بينها ومن ثم تستخدم كما لو كانت تدل على شيء واحد، ومن أمثلة هذه المصطلحات تعليم وتعلم وتدريس ودرس، ولقد أدى الخلط بين هذه المصطلحات إلى استخدامها في غير مواضعها، ولعلنا في حاجة في هذا المجال إلى تحديد دقيق للفروق بين هذه المصطلحات.
التعليم والتعلم:
يقوم المعلم بعملية التربية ، كما يقوم بعملية التعليم ، بمعنى أنه ينقل المعارف والحقائق ويعمل على تكوين مفاهيم وتعميمات معينة لدى تلاميذه كما يسعى إلى اكتسابهم العديد من الميول والاتجاهات والقيم وأوجه التقدير والتذوق ، كما يساعدهم على اكتساب أشكال المهارات المختلفة المناسبة لهم ، وذلك يعنى أن المعلم يسعى إلى إحداث تغيرات عقلية ووجدانية وسلوكية لدى تلاميذه، وإذا كان هذا هو حال مصطلح تعليم فماذا عن مصطلح تعلم.
يقصد بهذا المصطلح عائد أو منتج عملية التعليم فقد تحدث عملية التعلم، ولكن عائد هذه العملية قد لا يكون ثابتا بالنسبة للجميع فكل متعلم له مفاهيمه وقيمه وعاداته كما أن لديه مشكلاته، وبناء على ذلك فإن الجهد المبذول في علمية التعليم قد يحقق النتائج المتوقعة لدى البعض وقد لا يحققها لدى البعض الآخر، وقد يحققها بدرجات متفاوتة لدى البعض الثالث…
ولعلنا نلاحظ أن هناك من يستخدمون مصطلح “التعليم الذاتي” وهناك من يفضلون “التعلم الذاتي” وكثيرا ما يثار الجدل حول سلامة أي المصطلحين، فإذا قلنا التعليم الذاتي فهذا يعني أننا نشير إلى العملية التي يقوم بها المتعلم لتعليم ذاته من خلال ما يجري من تفاعل بينه وبين المواد التعليمية المتاحة له، وإذا قلنا تعلم ذاتي فهذا يعني أننا نشير إلى ناتج العملية السابقة، أي حصيلة عملية التعليم الذاتي.
الدرس والتدريس:
يقصد بمصطلح “درس” في الإطار التقليدي ما يقوم به المعلم من نشاط من أجل نقل المعارف إلى عقول التلاميذ، ويتميز دور المعلم هنا بالإيجابية ودور التلميذ بالسلبية في أغلب الأحوال، أي أنه ليس من المطلوب منه توجيه السؤال أو إبداء الرأي، ولقد كان مقبولا في زمن كانت مصادر المعرفة محدودة، وكان المعلم هو المصدر الوحيد للمعرفة بالنسبة للتلاميذ، ومن هنا كان الخلط بين مصطلحي درس وتدريس، إذا اعتبر الدرس شيئا ينقله المعلم إلى تلاميذه، وهو ما ينطبق على معنى مصطلح تدريس الذي يعني قيام المعلم بعملية ما.
وواقع الأمر أن الفرق الأساسي بين المصطلحين هو أن مصطلح “درس” هو عبارة عن المجال الزمني المخصص لتدريس موضوع ما. ولذلك يستطيع التلميذ أن يقول الدرس الأول مخصص لمادة العلوم، أو المواد الاجتماعية، والدرس الثاني مخصص للرياضيات، كما يستطيع المعلم في بداية الحصة أو الدرس أن يقول درس اليوم عن مشكلة التلوث أو الحرب العراقية الإيرانية، أما ما يقوم به المعلم من إجراءات وعمليات وما يستخدمه من أدوات ووسائل تعليمية فهو يعني في مجموعة عملية التدريس، أي أن عملية التدريس تعني تلك الإجراءات التي يقوم بها المعلم مع تلاميذه لإنجاز مهام معينة لتحقيق أهداف سبق تحديدها، ومن هنا فإن مستوى التمكن من عملية التدريس ليس واحدا لدى جميع المعلمين، إذ يختلف المعلمون في مدى تمكنهم من مهارات التدريس وعلى ذلك فجميع المعلمين يحضرون درسا، كما أنهم يقومون بالتدريس ومع ذلك فإن الشيء المؤكد هو أن الحضور أي كيف تجري عملية التدريس لموضوع ما، أو بمعنى آخر أدوار المعلم في عملية التدريس، فلم يعد الدور الوحيد للمعلم هو نقل المعارف إلى التلاميذ، إذ أصبح من السهل بمكان أن يحصل التلميذ على معارف كثيرة في يوم واحد قد يعجز المعلم عن إمداده به في نفس الفترة الزمنية وهذا يرجع بطبيعة الحال إلى تعدد مصادر المعرفة وتنوعها، بحيث أصبح من السهل بالنسبة للتلميذ أن يعرف الكثير خارج جدران المدرسة، ومن هنا يمكن القول أن نقل المعارف إلى التلاميذ لم يعد الدور الأساسي للمعلم، إذ أن المعلم مطالب بتنمية مهارات وأساليب التعلم لدى تلاميذه، وإذا حاولنا أن نتحرى الدقة في هذا المجال فربما يمكن القول أن الأدوار الأساسية للمعلم هي:
1- توجيه أنظار التلاميذ إلى مشكلات تستحق الدراسة.
2- مساعدة التلاميذ على اكتساب المهارات اللازمة لدراسة هذه المشكلات.
3- تنمية قدرة التلاميذ على التفكير الناقد.
4- تنمية قدرة التلاميذ على الابتكار.
5- العمل على رفع مستويات الدافعية لدى التلاميذ.
وتعتمد قدرة المعلم على ممارسة هذه الأدوار على عديد من العوامل أهمها مدى اقتناع المعلم بمهنته ومدى وعيه بمشكلات التلاميذ ونوعياتهم ومدى توافر الإمكانيات اللازمة، وتعتمد هذه العوامل كلها على نوع الفكر التربوي السائد ومدى التحمس لهذه الأدوار.
ويعتبر التدريس موقفا يتميز بالتفاعل بين الطرفين، لكل منهما أدوار يمارسها من أجل تحقيق أهداف معينة، ومعنى هذا أن التلميذ لم يعد سلبيا في موقفه، إذ أنه يأتي إلى المدرسة ولديه خبرات عديدة كما أن لديه تساؤلات متنوعة يحتاج إلى إجابات عنها، وبالتالي فإنه أحوج ما يكون إلى أن يتعلم كيف يتعلم، كما أنه في حاجة إلى تعلم مهارات القراءة والاستماع والنقد وإصدار الأحكام، وفي هذا الإطار يمكن القول أن التدريس أصبح خبرات تعليمية (مربية) يخططها المعلم ويديرها من أجل مساعدة تلاميذه على تحقيق أهداف معينة، وهذه الخبرات تشتمل على العديد من أوجه التعلم، فقد يكتسب التلميذ منها مفهوما معينا، وقد يعدل مفهوما خاطئا لديه، وقد يكتسب اتجاها أو ميلا معينا أو غير ذلك من جوانب التعلم، وكلما زادت حصيلة أو ناتج المرور بخبرة ما أمكن القول أن الخبرة كانت مفيدة أو مربية بالنسبة للتلاميذ، وكلما كانت الحصيلة هزيلة أو غير ذات تأثير واضح لدى التلاميذ أمكن القول أن الخبرة لم تكن على المستوى المتوقع.
ويبدو من ذلك أن أي موقف تدريسي يجب النظر إليه على نحو كلي، على اعتبار أنه يضم عوامل عديدة هي المعلم والتلاميذ والأهداف التي يرجى تحقيقها من هذا الدرس، كما يضم المادة الدراسية والزمن المتاح والمكان المخصص للتدريس، ثم هناك أخيرا ما يستخدمه المعلم من طرق التدريس، وإذا كان كل عامل من هذه العوامل يمكن تقويمه على نحو منفصل إلا أن جميع العوامل تجمعها علاقات وتفاعلات يمكن أن تؤدي إلى نجاح الدرس إذا نجح المعلم في تنظيمها وإدارتها، كما يمكن أن تؤدي إلى فشله إذا لم يحالفه النجاح في ذلك. ولعلنا في هذا المجال في حاجة إلى دراسة كل عامل من هذه العوامل على حدة دون إغفال لمواطن الاتصال ومجالات التفاعل بينه وبين العوامل الأخرى.
أولا- المعلم:
وهو يعد العامل الحاسم في مدى فعالية عملية التدريس، وعلى الرغم من كل مستحدثات التربية وما تقدمه التكنولوجيا المعاصرة من مبتكرات تستهدف تيسير العملية التعليمية إلا إن المعلم لا يزال وسيظل العامل الرئيسي في هذا المجال، إذ أنه هو الذي ينظم الخبرات ويديرها وينفذها في اتجاه الأهداف المحددة لكل منها، وهو أيضا أحد أطراف عملية الاتصال البشري التي تفتقدها الوسائل الآلية المستخدمة في العملية التعليمية، ولذلك فإن المعلم يجب أن تتوافر لديه خلفية واسعة وعميقة عن مجال تخصصه إلى جانب تمكنه من حصيلة من المعارف من مجالات أخرى حتى يستطيع التلاميذ من خلال تفاعلهم مع المعلم أن يدركوا علاقات الترابط بين مختلف المجالات العلمية وتكوين تصور عام عن فكرة وحدة المعرفة وتكاملها، وهو الأمر الذي يعد غاية في الأهمية حينما يكونون بصدد دراسة مشكلة ما، فضلا عن أن هذا الاتجاه يساعد المعلم في إثارة العديد من المشكلات التي تدفع التلاميذ إلى التفكير بصفة مستمرة.
ويرتبط بهذا الأمر أن يسعى المعلم جاهدا إلى نموه العلمي والمهني بصفة مستمرة ليقف على أحدث تطورات المعرفة في مجال تخصصه، هذا كما أن المعلم كثيرا ما يلاحظ أن هناك من بين زملائه من يمتلكون مهارات خاصة بعملية إدارة الفصل ومهارات خاصة باستخدام الوسائل التعليمية وصياغة الأسئلة، ومن ثم فالمجال متاح أمامه لتطوير أدائه في التدريس عن طريق ملاحظة زملائه ومناقشتهم ومحاكاتهم في أثناء التدريس.
وعلى وجه العموم يمكن القول أن المعلم الكفء لابد أن تتوافر لديه الصفات الأساسية التالية:
1- أن يكون على درجة كبيرة من المرونة بحيث يستطيع الاستمرار في التعلم، فيكتسب المعا ف والمهارات المختلفة التي يحتاجها في ممارسته لعملية التدريس، وأن يتوافر لديه الاستعداد لتجريب كل فكر جديد مع تلاميذه، وأن يتقبل أسئلة تلاميذه بصدر رحب، وأن يدرك أن التلاميذ لا يريدون معلما يعرف الإجابة عن كل أسئلتهم بقدر حاجتهم إلى معلم صادق في التفاعل معهم، وأن يراعي ظروف التلاميذ في أثناء اليوم الدراسي ويتقبل كل أشكال النقد البناء.
2- أن يدرك أن الموقف التدريسي عبارة عن موقف تربوي لابد أن يجري فيه التفاعل المثمر بينه وبين تلاميذه، وأنه ليس مطالبا باستعراض معلوماته ومفاهيمه وأفكاره في هذا المجال إلا بالقدر الذي يخدم مسار التفاعل بين جميع الأطراف.
3- أن ينظر إلى كل تلميذ في فصله كحالة مفردة لها اهتماماتها وميولها وقدراتها ومشكلاتها، ومن ثم فلا يجوز أن ينظر إلى الجميع كما لو كانوا على قدم المساواة سواء عند تحديد أهداف الموقف التدريسي أو عند التفاعل معهم أو عند تقويم عائد هذا الموقف.
4- حصر جميع مصادر التعلم التي يمكن استخدامها في تنفيذ المنهج، على أن يتم ذلك قبل البدء في عملية التخطيط للتدريس، ويقصد بهذه المصادر ما يتوافر منها داخل المدرسة أو خارجها وسواء كانت مادية أو بشرية، وذلك على اعتبار أن تلك المصادر سيتم استخدام بعضها في أثناء التدريس، كما سيقوم المعلم بتوجيه تلاميذه إلى بعض منها لجميع البيانات والمعلومات والأدلة.
5- التمكن من مختلف المداخل المناسبة لتدريس ما تخصص المعلم في تدريسه، فالمعلم الكفء هو الذي يستطيع أن يقدم الجديد باستمرار، وهو الذي يستطيع أن يثبت لتلاميذه أنه يعرف الكثير ويملك الكثير من المداخل لتدريس تخصصه.
6- إشاعة جو صحي في أثناء التدريس، يستطيع فيه التلاميذ التفكير الحر وأن يحاولوا الإجابة عن التساؤلات وحل المشكلات وإثارة تساؤلات جديدة، وهذا يعني أن التلاميذ لا يريدون أن ينظر المعلم إليهم كما لو كانوا أنماطا متكررة، ولكنهم يتوقعون أن ينظر إليهم كأفراد لكل منهم ما يميزه عن الآخرين.
7- يجب أن يشرك المعلم تلاميذه في تحديد أهداف الموقف وصياغتها إذ أن هذا الأمر يكشف لهم عن توقعات المعلم والإجراءات التي يجب أن يقوموا بها تحقيقا لهذه الأهداف.
وخلاصة القول في هذا الشأن أن المعلم يجب أن يسعى إلى مساعدة تلاميذه على التحول من السلبية إلى الإيجابية ومن الجمود إلى الفعالية في مختلف المواقف التدريسية، إذ لم يعد صمت التلاميذ وسكوتهم واستماعهم لشرح المعلم معيارا لمدى كفاءته، ولم يعد المعلم ناقلا للمعرفة وإنما أصبح مربيا مسئولا عن تربية التلاميذ وتعديل سلوكهم في الاتجاه المرغوب فيه مما يعني اهتماما بمكونات الشخصية الإنسانية بإمكانياتها وتوظيفها من أجل الوصول إلى مستويات التمكن المطلوبة.
ثانيا- التلاميذ:
ينظر بعض المعلمين إلى تلاميذ الفصل الواحد كما لو كانت مستوياتهم متقاربة، في الذكاء والمفاهيم والاتجاهات والمهارات، كما يتصورون أنه لا يوجد بينهم من لا يعاني من مشكلات صحية أو نفسية أو اجتماعية أو غيرها، وبالتالي فهم يعتبرون الجميع على قدم المساواة، ومن هنا تكون توقعات هؤلاء المعلمين واحدة بالنسبة للجميع، أي أنهم يحددون مستويات مسبقة لتلاميذ الفصل ويسعون إلى تحقيقها، ولذلك فإن فشل الكثير من التلاميذ في تحقيق تلك المستويات المتوقعة يشعرهم بالإحباط عن أنه يزيد من توتر المعلم وتذمره تجاه من لم يستطيعوا تحقيق توقعاته، إذ أنه ينظر إلى هذا الأمر كدليل على فشله أو انخفاض مستوى كفاءته في التدريس، وخاصة إذا كانت هناك مقارنة بين مستويات تلاميذ فصول الصف الواحد، وفي ضوء ذلك يجب أن ينتبه المعلم إلى عدة أمور متعلقة بتلاميذ الفصل الواحد هي:
1- أن تلاميذ الفصل الواحد يا يتفقون في خصائصهم العامة، بل ويمكن القول أنه لا يوجد تلميذ في صورة مطابقة لتلميذ آخر في الفصل ذاته، فكل تلميذ يأتي الفصل وهو يحمل معه خبراته بكل ما تشمله من مهارات ومفاهيم وقيم، وبالتالي فهو حالة مفردة يصعب القول أنها تتطابق مع تلميذ آخر، هذا إلى جانب أن الجميع قد أتيحت لهم دراسة مستويات قبلية من المادة التي تقوم بتدريسها، وقد يكون من بينهم من اكتسب هذا الميل والاستمرار في تعلمها، وقد يكون هناك من لم يستطع اكتساب هذا الميل لأسباب قد يكون مسئولا عنها أو لأسباب قد يسأل عنها من قاموا بتدريس هذه المادة في المستويات السابقة، ولعلنا نلاحظ أن التلاميذ كثيرا ما يكتسبون خبرات من خلال الإذاعة المسموعة والإذاعة المرئية، وكذا من خلال الصحف والمجلات والتسجيلات الصوتية وغيرها من مصادر المعرفة، ولذلك فهناك عادة تفاوت في نوعية الخبرات التي يمتلكها كل تلميذ وكذا مستوياتها، وبالتالي يصعب أن ننظر إلى الجميع من منظور واحد.
2- أن تلاميذ الفصل الواحد يختلفون في مستوياتهم القرائية، فليس من اليسير أن يقرأ الجميع كل المواد التعليمية المتاحة، هذا كما أن هناك من التلاميذ من يستطيع أن يعبر عن نفسه لفظيا على نحو سليم، وفي نفس الوقت نجد الكثيرين لا يستطيعون ذلك ولكنهم أقدر على التعبير التحريري، وفي كثير من الأحيان نلمس ضعفا لدى بعض التلاميذ في مهارات القراءة، الأمر الذي يؤدي في معظم الأحوال إلى فهم خاطئ أو قاصر للمادة المقروءة، وبناء على ذلك فإن الكتاب الواحد والمقرر على جميع التلاميذ يعني أننا نتصور أن الجميع قد وصلوا إلى مستوى عال من التمكن من مهارات القراءة، وهو أمر يصعب تصوره حتى على المستوى النظري، وبالتالي فإن المعلم يجب أن يكون على دراية كاملة بمستويات تلاميذه في القراءة، ومدى تمكنهم من مهاراتها والصعوبات التي تعوق تقدمهم، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يجب أن يضع مستويات تلاميذه موضع الاعتبار عند اختيار مختلف المواد التعليمية المصاحبة للكتاب المدرسي، وكذلك في اختياره الوسائل التعليمية ذات الصلة بدروسه، ومعنى هذا أن يكون المعلم صورة حقيقة ويكون أصوب في اختياره للطرق والوسائل والأنشطة المصاحبة.
3- أن بعض التلاميذ قد يعانون من مشكلات صحية مثل ضعف في السمع أو البصر أو إعاقة بدنية أو أحد الأمراض المزمنة، وهذا يعني أنهم قد يكونون أقل في مستوى الكفاءة من أقرانهم حينما يشاركون في أي شكل من أشكال النشاط المدرسي، وبناء على ذلك فإن المعلم لا ينبغي أن يترك اكتشاف هذه الأمور لعامل الصدفة، ولكنه يجب أن يبادر منذ البداية لدراسة كل حالة على حدة، وهنا تظهر مرة أخرى أهمية توافر ملف لكل تلميذ يستطيع المعلم بالرجوع إليه أن يكون صورة حقيقة عن كل تلميذ، وهو الأمر الذي يعتمد عليه كلية في تحديد المستويات المتوقعة من كل منهم، كما يستفاد منها في تحديد أشكال النشاط المناسبة لكل منهم، وكذا نوع القراءات المناسبة ومستوياتها، وهذا كله يعد من الأمور المساعدة على نجاح المعلم في أدائه لمهامه التدريسية، وقد يرى المعلم ضرورة لإجراء عديد من المقابلات مع التلاميذ على نحو فردي استكمالا للصورة الكلية لكل تلميذ، وهنا يجب أن يلاحظ أن درجة الثقة والألفة والصداقة بينه وبين التلميذ هي المدخل الحقيقي للحصول على معلومات كافية وصادقة.
4- يلاحظ أن موضع الدرس بالنسبة لخطة الدراسة اليومية يؤثر إلى حد بعيد في مدى انتباه التلاميذ وكفاءتهم في النشاط والمشاركة والفعالية، ومعنى هذا أنه إذا كان موعد حصتك هو الحصة الأولى أو الثانية فإن التلاميذ سيكونوا في حالة جيدة وأكثر انتباها مما إذا كان موعد الحصة في منتصف اليوم الدراسي أو آخره، وبالتالي فإن المعلم يجب أن يكون على دراية كاملة بأهمية هذا الأمر، فقد يرجع عدم انتباه بعض التلاميذ إلى شعورهم بالتعب لحضور عدد من الدروس قبل الدرس الحالي، كما أنهم قد يشعرون بنوع من الكسل أو الخمول إذا كانت موعد الحصة بعد الفترة المخصصة لتناول الطعام، وفي مثل هذه الحالات ليس من العدل أن يتوقع المعلم أن تكون المشاركة والفعالية على نفس الدرجة إذا كان الدرس في الحصة الأولى أو الثانية، ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن أنه ليس من اليسير بالنسبة لإدارة المدرسة أن تجعل كل الدروس في بدايات اليوم الدراسي، ولكن لابد أن يواجه المعلم بموقف من هذا النوع، وبالتالي فإن المعلم الكفء يستطيع أن يخصص فترة وجيزة للترفيه، وأن يكون قادرا على إجراء تعديلات في خططه بحيث يحتوي الدرس على نشاطات عملية ومناقشات وأسئلة مثيرة للتفكير وما إلى ذلك من الأساليب الكفيلة بإثارة الاهتمامات ورفع مستويات الدافعية لدى تلاميذه ليكونوا أكثر استعدادا للمشاركة الفعالة في الدرس.
5- يعاني بعض التلاميذ من مشكلات مادية، ولذلك نجدهم يلحقون بأعمال مختلفة، بل وقد يتحمل بعض التلاميذ مسئوليات جسيمة تجاه الأسرة نظرا لفقد عائلها لسبب أو آخر، وبذلك يلاحظ أن انتماءهم إلى صفوف التلاميذ في الفصول الدراسية يكون لتطلعهم إلى المزيد من التعليم ودخول الجامعة والحصول على مؤهلات عالية من أجل تحسين المستوى المادي، إلا أن ارتباطهم بالعمل بعد انتهاء اليوم الدراسي يكون على حساب الوقت المخصص لإنجاز الواجبات المنزلية أو الأنشطة الفردية التي يطلبها المعلم منهم، وفي مثل هذا الموقف يجب أن يدرس المعلم كل حالة على حدة بحيث يعقد لقاءات فردية مع كل تلميذ لمناقشة ظروفه ومشكلاته ومساعدته في تنظيم وقته بصورة يمكن أن تيسر له الدراسة، والأمر المؤكد في هذا الشأن هو أنه لا يمكن أن نطالب التلميذ بأن يترك العمل ويتفرغ للدراسة إلا إذا أوجدنا له مصدرا يمكنه الاستغناء به عن العمل، وإذا ما تعذر ذلك فلا ينبغي أن نتوقع منه مستوى من الأداء يتفق مع مستويات التلاميذ الآخرين.
6- قد يجد المعلم من بين تلاميذه تلميذا أو أكثر من الموهوبين ذوي القدرات الخاصة، وفي هذه الحالة قد يخطئ المعلم ويترك هذه النوعية من التلاميذ لإشباع مواهبها مما يعني إغفالا لكثير من الأمور التي يجب تعلمها، وبالتالي فإن القاعدة الأساسية في هذا الشأن هي أن يتيح المعلم فرصا كافية لهم لإظهار مواهبهم، وقد يستفيد من إنتاجهم في عملية التدريس، أي أنه يقوم بمساعدتهم من البداية على التخطيط لإنتاجهم بحيث تكون له وظيفة معينة في مواقف التدريس، هذا كما أنه يستطيع أن يخصهم بتكليفات معينة لا يشترك فيها غيرهم من التلاميذ، مع تحاشي أن يتسرب الغرور إلى نفوس هؤلاء التلاميذ وألا يحاولوا التعالي على زملائهم وألا يشيع جو من التنافس غير الصحي بين تلاميذ الفصل الواحد؛ إذ أن امتلاك تلميذ معين لموهبة ما أو فقده إياها هو نتيجة لعوامل كثيرة: بيولوجية واجتماعية وثقافية وغيرها، وبالتالي فإن التعامل مع هذه النوعية من التلاميذ يجب أن يكون من منطلق أن لكل تلميذ إمكانياته، ومن ثم فإن وظيفة المعلم في هذا الشأن هي التوجيه والصقل والتنمية بالقدر المناسب لكل تلميذ.
ثالثا- المادة العلمية:
هي تمثل العامل الثالث من العوامل التي يشملها أي موقف تدريسي، وتعتبر المادة العلمية وسيلة لعملية التربية شأنها شأن أي وسيلة تعليمية يستخدمها المعلم، وإن كان بعض المعلمين لا يزال ينظر إلى المادة العلمية، وخاصة التي تحتويها الكتب المدرسية، باعتبارها الغاية الأساسية من عملية التربية، وما يمكن تأكيده في هذا المجال هو أن ما تقدمه السلطات التربوية من كتب دراسية يتضمن الأهداف والمعارف والمفاهيم والمهارات الأساسية التي تمثل في مجموعها الإطار العام الذي يعمل فيه المعلم، وبالتالي فإن المعلم يجب أن يعمل فكره منفردا أو بالاشتراك مع معلمين آخرين لتحديد خطة العمل في ضوء عديد من الاعتبارات مثل الجدول الزمني وعدد الحصص المخصصة لتنفيذ المنهج ومستويات تلاميذ الفصل، وهذه العملية تؤدي عادة إلى وضوح نقاط البداية في تنفيذ وحدات المنهج، وبالتالي فإن أسلوب المعلم في تنفيذ منهج ما يتحدد من خلال هذه العوامل، ومن ثم يختلف كل معلم عن الآخرين في هذا الشأن، ومن هنا نبعت فكرة المنهج المستتر، التي تعني في مجملها أن ما يتم وضعه من تصورات للمنهج في مرحلة التخطيط غالبا ما يتم تنفيذه على صور وأشكال مختلفة تخضع لكثير من المتغيرات والتي يتعلق بعضها بالمعلم وبعضها الآخر بالتلاميذ وبالإمكانات المتاحة وظروف العمل، ومع ذلك فإن المعلم حينما يتناول المادة العلمية فلابد أن يكون ذلك من خلال الإجراءات الآتية:
1- دراسة الأهداف العامة للمنهج وتحليلها من أجل التوصل إلى جوانب التعلم التي وردت بها، على اعتبار أن ما تحتويه الأهداف من تلك الجوانب يعبر بشكل مباشر عن فكر مخططي المنهج وتصوراتهم لما يجب أن يحققه التلاميذ بعد دراسة هذا المنهج، ومن ثم فإن المعلم لكي يبدأ البداية الصحيحة لابد أن يتعمق في دراسة هذه الأهداف ويستشير ذوي الخبرة في هذا المجال سواء من الزملاء أو القيادات التربوية الأخرى، وخاصة أن تلك الأهداف العامة هي الأساس الذي يعتمد عليه المعلم عادة في صياغة أهداف دروسه وغير ذلك من الإجراءات المطلوبة في مراحل تخطيط وتنفيذ وتقويم التدريس وهو ما سنتعرض له تفصيلا فيما بعد.
2- دراسة محتوى المادة العلمية لكل وحدة من وحدات المنهج دراسة واسعة ومتأنية، بحيث يستطيع إدراك مضمونها من المفاهيم والتصميمات والمهارات وغيرها من جوانب التعلم التي يمكن للتلاميذ اكتسابها وتنميتها في أثناء الدراسة، ويرتبط بهذا الأمر دراسة العلاقات بين مختلف وحدات المنهج الدراسي للتعرف على مدى الاستمرارية والتتابع لجوانب التعلم التي يهتم بها المنهج.
3- وضع تصور للعلاقة بين الأهداف العامة ومحتويات وحدات المنهج الدراسي، وقد يأخذ هذا التصور شكل جدول تتضح منه العلاقات الطولية والعرضية بين مختلف جوانب التعلم، وفي هذه الحالة يستطيع المعلم أن يرى الصورة الكلية لمحتوى المادة العلمية، وأن يحدد مدى إمكانية توظيفها في اتجاه الأهداف المحددة ومدى كفايتها أو قصورها، ومن ثم يحدد الأساسي والتكميلي من المواد التعليمية، وفي ضوء معرفته بمستويات تلاميذه واهتماماتهم يستطيع أن يخصص المناسب من المواد التعليمية لكل فئة من تلاميذه.
4- الحرص على القراءة المستمرة في مجال التخصص، فالمعارف تتزايد بشكل لم تعهده البشرية من قبل، كما أن وسائل التكنولوجيا الحديثة أصبحت قادرة على إنتاج العديد من المراجع والكتب والمجلات والصحف والأفلام والشرائح التي تقدم كل تطورات العلم في مختلف المجالات، كما أن الإذاعة المسموعة والمرئية تقدمان عروضا متكاملة لمجريات الأحداث الجارية، ومن ثم فإن المعلم يجب أن تكون لديه خلفية ثقافية واسعة فضلا عن دراية كاملة بكل ما يقع من أحداث أو ما يظهر من مبتكرات في مجال تخصصه، إذ أن ذلك يعني أنه سيكون قادرا على مواجهة تلاميذه والتفاعل معهم بدرجة كبيرة من الثقة، كما أنه يستطيع أن يثير المشكلات وأن يوجههم إلى مصادر جمع المعلومات والبيانات من مصادرها الأصلية، إلى جانب أن التلاميذ غالبا ما يشعرون في هذه الحالة أن المعلم يعرف الكثير عما يقول ويعني ما يقول، مما يعني في جملته أن المعلم يمثل القدوة بالنسبة للتلاميذ في عمله وسعة إطلاعه وثقافته.
5- مناقشة كل ما يتم التوصل إليه في مرحلة تحليل الأهداف العامة ووضع التصور العام للعلاقة بينها وبين محتوى المادة العلمية مع الزملاء والقيادات التربوية الأخرى، ولاشك أن مثل هذا الإجراء يمكن أن يثير الممارسة العملية ويساعد على الاستفادة من خبرات الآخرين.
رابعا- الوقت المتاح للتدريس ومكانه:
وهو يعد من العوامل الهامة التي يمكن أن تساعد على نجاح ما يجري من تفاعل بين المعلم وتلاميذه، وقد يتصور البعض أن التدريس هو ما يتم داخل جدران الفصل الدراسي فقط، ولكن الحقيقة هي أن التدريس قد يحدث داخل الفصل الدراسي وخارجه سواء في المدرسة أو في المجتمع المحلي، وبالتالي فقد يستغرق حصة واحدة أو أكثر، وقد يمتد ليشمل يوما كاملا أو أكثر، وهذا الأمر يتوقف بطبيعة الحال على نوع المادة وكمها وأهداف تدريسها وما يختاره المعلم من طرق ووسائل لتدريسها، وهنا يجب أن يحدد منذ البداية مكان التدريس، فربما لا يحتاج الدرس الخروج من الفصل الدراسي، وقد يحتاج إلى قائمة لعرض الأفلام أو معمل أو ورشة أو مكتبة أو سبورات معينة أو أجهزة عرض خاصة، كما قد يحتاج إلى معاونة آخرين من العاملين بالمدرسة سواء من المعلمين أو الفنيين وقد يحتاج المعلم أيضا إلى الخروج مع تلاميذه خارج جدران المدرسة، فقد يذهب معهم إلى المتاحف أو المعارض أو دور الصحف أو البنوك أو الحدائق أو مؤسسات صناعية أو تجارية أو غيرها، وفي جميع الأحوال يبدو أن هذا العامل قلما ينظر إليه كعامل أساسي فيما يجري من تفاعل في أثناء التدريس، لذلك لاحظ أن هناك من المعلمين من لا يهتمون بدرجة كافية في مرحلة التخطيط للوقت المخصص لتدريس درس ما أو وحدة ما، كما أنهم قلما يفكرون بعناية في التجهيزات المطلوبة للدرس بل غالبا ما يترك ذلك للظروف والتي غالبا ما لا تكون في صالح المعلم والتلاميذ مما يؤدي في أغلب الأحوال إلى قصور في عملية التدريس، الأمر الذي ينعكس بوضوح على نمط التفاعل السائد في التدريس وعائده.
خامسا- الأهداف الخاصة بكل موقف:
يحدد المعلم عادة أهدافا لكل درس من دروسه، وقد يقوم بتحديد الأهداف لكل وحدة دراسية ثم يقوم بتقسيم المادة العلمية في كل وحدة على مجموعة من الدروس لكل منها أهدافها، ويلاحظ في هذا الشأن أن الأهداف الخاصة بمعرفة التلاميذ بالحقائق التي يحتويها الدرس يعد من الأمور البسيطة نسبيا والتي لا تحتاج جهدا كبيرا سواء من المعلم أو التلاميذ، ولكن الأمر الجدير بالاهتمام هنا هو أن يتعلم التلاميذ كيف يفكرون بكل ما يحتويه هذا الهدف العام من القدرة على التساؤل وتوجيه الأسئلة والنقد الموضوعي البناء وإصدار الأحكام وتنظيم المعرفة والتعبير عن مشاعرهم بطريقة مقبولة والتعبير عن أفكارهم في صور مبتكرة ويرتبط بهذا الأمر أن يساعد المعلم تلاميذه على إدراك قيمة الدرس الواحد وحدوده باعتباره مجرد خطوة يخطوها في اتجاه أهداف محددة ترتبط بأهداف أخرى لدروس أخرى تمثل في مجملها الصورة الكلية لأهداف المنهج التي يجب أن يسعى الجميع إلى تحقيقها.
ويلاحظ هنا أن الأهداف المحددة لكل درس يجب أن تناسب المستوى التعليمي للتلاميذ وأعمارهم، إذ أن بعض المعلمين يتصورون أن ما يقومون بتدريسه يفوق من حيث الأهمية المواد الدراسية الأخرى، بل يتوقعون أن ينتقل هذا التصور إلى التلاميذ، ولكن واقع الأمر هو أن التلاميذ لا يتخذون قرارا بشأن تفضيل مادة على أخرى في المراحل المبكرة، ولكن باستمرار جهد المعلم ومدى إقناعه للتلاميذ وبيانه للأمور ذات التأثير في ميول التلاميذ واتجاهاتهم يمكن مساعدتهم على اتخاذ قرار في هذا الشأن.
سادسا- الطرق المستخدمة والوسائل التعليمية في الموقف التدريسي:
هناك الكثير من الطرق التي يستطيع المعلم استخدامها في تدريسه لمادته، ولكنه لا يستخدم طريقة معينة في كل المواقف التدريسية، إذ أن لكل موقف طبيعته وأهدافه، وبالتالي فإن ما يستخدمه من طرق يتبع عادة الأهداف التي يرجو تحقيقها من وراء تدريسه، كما أن الدرس الواحد قد يستخدم فيه أكثر من طريقة واحدة، وهذا يتوقف على أوجه التعلم التي تحتويها أهداف الدرس، كما قد يضطر المعلم إلى استخدام طرق خاصة لمحاولة زيادة مستويات الدافعية لدى التلاميذ.
والشيء الذي نود تأكيده في هذا الشأن هو أن هذه العوامل الستة هي التي يرتكز عليها أي موقف تعليمي، ويتوقف مدى نجاح المعلم والتلاميذ في تحقيق أهداف هذا الموقف على نوع التفاعل بين هذه العوامل، وهو أمر يتوقف أساسا على مدى كفاءة المعلم في عملية التخطيط والتنفيذ والإدارة والتقويم وهي أمور سنعرض لها تفصيلا فيما بعد